خاص- قطار التعطيل ينطلق إلى محطة جديدة
بما أن معينه لا ينضب من خطط التعطيل وأساليبه المبتكرة، يستعد “أمير التعطيل” للانطلاق بالخطة “ج”، على أمل أن تكون أوفر حظًا من سابقتَيها الخطتين “أ” و”ب”. فبعد الفشل الذريع الذي مُنيت به الخطة “أ” لعرقلة التمديد للقيادات العسكرية في مجلس النواب، وبعد الفشل شبه الأكيد للخطة “ب” للطعن بقانون التمديد أمام المجلس الدستوري نظرًا للضعف القانوني الشديد الذي يعتري هذا الطعن، ينهمك رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل بوضع اللمسات الأخيرة على خطته الجديدة القديمة، والتي تقضي بعرقلة استكمال التعيينات في قيادة المؤسسة العسكرية.
واستبق باسيل جلسة مجلس الوزراء الجمعة بإطلاق صافرة قطار التعطيل إيذانًا بانطلاقه الى محطته المقبلة، بتغريدة على منصّة “إكس”: “من يطّلع على جدول اعمال مجلس الوزراء المؤلّف من اكثر بكثير من مئة بند، يفهم انّهم ليسوا مستعجلين لانتخاب رئيس، لا بل لا يريدون انتخاب رئيس طالما انّهم يسطون على صلاحيّاته لا بل يحكمون مكانه..”.
كما قدّمت الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء هدية مجانية لباسيل وأعطته ذريعة جديدة للتعطيل بردّها ثلاثة قوانين الى مجلس النواب، ما اعتُبر مسًّا بصلاحيات رئيس الجمهورية، وبما يكفي لإظهار رئيس “التيار” بمظهر المدافع عن حقوق المسيحيين وموقعهم الأول في الحكم.
أما لماذا هو أمير التعطيل وليس الملك؟ فكل بساطة لأن “ملك التعطيل” (اطال الله بعمره) ما زال موجودًا، وهو حقّق أرقامًا قياسية في هذا المجال يصعب على أحد كسرها، حتى ولو كان صهره. وللدلالة على الأمر نذكّر بأبرز محطتين تعطيليتين في تاريخ لبنان للرئيس السابق ميشال عون: فقد عطّل الجنرال (مع حليفه “حزب الله” بالتأكيد) الانتخابات الرئاسية لمدة عامين ونصف العام حتى تم انتخابه في 31- 10-2016 الرئيس الثالث عشر للبنان، مع ما حمله الرقم 13 من حظ وافر للبنان واللبنانيين. وقبل ذلك لا بد من التذكير بتعطيل تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى في عهد الرئيس ميشال سليمان لمدة خمسة أشهر بسبب رفض الرئيس المكلف توزير جبران باسيل الراسب في الانتخابات النيابية عام 2009. إلا أن عون أصر على التعطيل حتى فرض صهره وزيرًا في الحكومة، مع ما تحمله تلك الواقعة من كلام تاريخي لا ينسى للجنرال عندما قال في مؤتمر صحافي في الرابية: “ولعيون صهر الجنرال انشالله عمرا ما تتشكل الحكومة”.
في أي حال، وبالرغم من الاهتمام الدولي الاستثنائي بوقف الحرب على الحدود الجنوبية، عادت الملفات الخلافية الداخلية، الساخنة منها والأقل سخونة، لتُطرح على طاولات التفاوض في السر والعلن. ولعل أبرز الاستحقاقات المؤجلة والأسهل نظريًا على الاجتياز محليًا هو ملف التعيينات العسكرية الذي وعد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بإنجازه بعد عطلة الأعياد، معطيًا بذلك وزير الدفاع موريس سليم المهلة الكافية لاقتراح أسماء لملء الشغور في رئاسة الأركان وعضوين في المجلس العسكري هما المدير العام للإدارة والمفتش العام. وتقول مصادر متابعة للملف إن ميقاتي مصرّ على التعيينات العسكرية حتى لو أقرتها الحكومة من دون اقتراح أسماء أو موافقة وزير الدفاع الذي لم يهضم بعد التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون.
وبما أنه بات واضحًا أن هذا الملف سيسلك طريقه الى الإنجاز بأية طريقة ممكنة، لا يبقى أمام باسيل إلا الخطة “ج” للعرقلة. وبينما يفترض البعض بأن الوزير سليم، بإيعاز من باسيل، سيعرقل التعيينات بعدم اقتراح أسماء لجلسة مجلس الوزراء، تقضي الخطة الجديدة، بحسب متابعين، بأن يشارك وزير الدفاع بجلسة مجلس الوزراء التي يُفترض أن تناقش التعيينات العسكرية، على أن يستبق هذه الجلسة بإرسال أسماء الى رئاسة مجلس الوزراء لملء الشواغر في قيادة المؤسسة العسكرية.
إلا أن المفاجأة الأكبر لن تكون بلائحة الأسماء المرسلة بقدر ما ستكون بالأسماء المقترحة نفسها والتي لن تأتي ضمن التوافق العام بين مكوّنات الحكومة. فإذا لم يرشح سليم العميد حسان عودة المدعوم من النائب السابق وليد جنبلاط والمتوافَق عليه بين المرجعيات السياسية لمنصب رئيس الأركان، يكون قد اثار مشكلة جديدة عوضًا عن أن يجد حلًا لمشكلة شغور موقع رئيس الأركان. والأمر نفسه ينطبق على اقتراح اسمين لمقعدي المجلس العسكري. فإذا اختار سليم ضابطين “عونيين” لشغل المنصبين، وهو ما سيحصل على الأرجح، لن تقبل المكونات الأخرى في الحكومة بتعيينهما، وتكون بالتالي التعيينات العسكرية قد تعرقلت وعادت الى المربّع الأول، لأن مجلس الوزراء لن يرضى بتعيين الأسماء المقترحة من وزير الدفاع، كما لن يكون من السهل عندها تعيين أسماء أخرى خلافًا لإرادة الوزير المعني.
في أي حال، لا بد أن هناك من يعتبر هذا السيناريو سوداويًا ومبالغًا فيه. لكن من اعتمد التعطيل نهجًا لتحقيق الأهداف، قبل الحكم وفيه وبعده، لن يعدّل في هذا النهج على مسافة أشهر قليلة من إنهاء الشغور الرئاسي، وهو أمر يعتبره رئيس “التيار” قضية حياة أو موت بالنسبة لمستقبله السياسي الشخصي، كما ل”العونية السياسية” برمّتها.