خاص-ما النتائج التي حقّقتها جولة بلينكن؟
تميّزت جولة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن الأخيرة في المنطقة بأنّها حاولت البحث في حلول شاملة في غزّة ولبنان، وربّما أبعد من ذلك، وصولاً إلى استئناف عمليّات التطبيع العربيّة الإسرائيليّة. ولكن، من البديهيّ أن هذا المشروع الطموح يحتاج إلى درس ومناقشات والعديد من الجولات الأخرى، والأهم أنّه يحتاج إلى إجراءات لا بدّ منها على الأرض، قبل التمكن من الدخول في الأهداف البعيدة المدى.
ركّز بلينكن في اللقاءات التي أجراها على تحقيق ثلاثة أهداف جزئية، وترَك الأهداف الكبيرة إلى مراحل لاحقة. وهو يعتبر أن التوصل إلى التزامات من الأطراف المعنية بخصوص الأهداف القريبة المدى بمثابة نجاح لمهمته.
أمّا هذه الأهداف فهي:
1- دفع إسرائيل إلى الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب في غزّة، وهي المرحلة الأقلّ شراسة.
2- تحرير الرهائن المتبقين لدى “حماس”.
3- إبعاد “حزب الله” عن الحدود مع إسرائيل تفادياً لنشوب صراع إقليمي.
يبدو الهدف الأول في طريقه إلى التحقق. فقد سبق لقادة عسكريين إسرائيليين أن أعلنوا قرب الانتقال إلى مرحلة أقل حدّة من القتال. وقد طلب وزير الخارجية الأميركي أن يتم الإعلان عن ذلك رسمياً على المستوى السياسي.
في الواقع، لم يعد من خيارات عسكرية لدى إسرائيل سوى الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب، على رغم أنها لم تحقق ما رسمته من أهداف حتى الآن في القضاء على “حماس”، حتى في الجزء الشمالي من القطاع. واستناداً إلى المصادر العسكرية الإسرائيلية، فإن القوات الإسرائيلية ما زالت في حاجة إلى مزيد من الوقت لفرض السيطرة على نظام الأنفاق في الشمال، والذي ما زال يضمّ بضعة آلاف من مقاتلي “حماس” والفصائل الفلسطينية الأخرى.
إضافة إلى ذلك، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر على الحرب الضارية، والتدخل البري وخوض معارك صعبة على الأرض، أصبح عناصر الجيش الإسرائيلي منهكين. وقد تمّ تسريح أكثر من نصف جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم في بداية الحرب. ولا يمكن لأي جيش في العالم أن يستمر في الحرب بوتيرة عنيفة كالتي تجري في غزة، لأكثر من اشهر معدودة.
أمّا بالنسبة إلى موضوع الرهائن. فقد استطلع الوزير الأميركي إمكانات استئناف المفاوضات للإفراج عنهم. وقد أدّت عملية اغتيال المسؤول في “حماس” صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت إلى تعقيد العملية. ولكن الحركة كانت قد أعلنت قبل الاغتيال إمكان استئناف التفاوض لإطلاق الرهائن بمعزل عن توقف الحرب. واليوم، فهم بلينكن ان هناك فرصة للإفراج عن عدد من الرهائن يقارب الأربعين، ولا سيّما من المسنّين والمرضى.
يبقى الهدف الثالث المتعلق بلبنان. وهذا الملف عمل عليه تحديداً وبالتزامن الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، الذي أصبح عملياً مكلفاً الشأن اللبناني. وقد سمع من المسؤولين اللبنانيين موقفاً رسمياً يقول بالعودة إلى خط الهدنة المتعارف عليه وبالانسحاب أيضا من مزارع شبعا، وتالياً تطبيق القرار 1701، خصوصاً لجهة وقف الانتهاكات الإسرائيلية له.
وفي تل أبيب، اقترح الوزير بلينكن تعزيز دور الجيش اللبناني عند الحدود الجنوبية وتوسيع مهمات قوات اليونيفيل في إطار الضمانات لتطبيق القرار الدولي من جانب “حزب الله”، بما يسمح كمرحلة أولى بإبعاد التهديد الذي تشكله بعض الأنواع من الأسلحة، كالأسلحة المضادة للدبابات، إلى مسافة تتراوح بين 5 و10 كيلومترات عن الحدود.
واستناداً إلى تقارير مراكز دراسات أميركية، فإنّ الخيارات أمام إسرائيل محدودة في هذا المجال، لأنّ البديل المتمثل بحرب واسعة لن يعيد سكان المستوطنات الشمالية إلى بيوتهم، وسيدخل إسرائيل في حرب أين منها حرب غزّة. كما سيوسّع نطاق الصراع، وهو الأمر الذي ترفضه واشنطن.
لذلك، طالب المسؤولون الإسرائيليون الوزير الأميركي بتحديد ماهية الضمانات التي تُلزم الحزب تطبيق القرار 1701 والانسحاب إلى ما بعد جنوب الليطاني، وهو الأمر الذي لم يحصل منذ العام 2006. كما سألوا، استناداً إلى التقارير عينها، عن الضمانات بأن الحزب لن يهاجم إسرائيل على رغم ترسيم الحدود.
ينتظر بلينكن من لبنان ردّ “حزب الله” النهائي على الطروحات التي حملها. ومن المتوقع أن يعود هوكشتاين إلى بيروت لاسئناف البحث إذا لقي تجاوباً، يسمح بالانتقال إلى خطوات أخرى.
قد يقتصر العمل الأميركي حالياً على التهدئة، في غزّة وفي لبنان. ولكن المشروع الأوسع الذي ينص على شكل الحكم في القطاع بعد الحرب، وعلى وضعية “حزب الله”، فمتروك لمراحل لاحقة. وربما تؤدي الأحداث المتسارعة إلى تقريب موعده أو على العكس إلى عرقلته.