خاص – إغتيال العاروري لا يغيّر قواعد اللّعبة

خاص – إغتيال العاروري لا يغيّر قواعد اللّعبة

الكاتب: إيلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut 24
4 كانون الثاني 2024

تكاد حرب غزّة تكمل شهرها الثالث، و”حزب الله” ما زال محافظاً على ضوابط في الاشتباك، وكذلك إسرائيل. ولكن تطوراً طرأ على المعادلة بعد اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت. فهل يُعتبر هذا الاغتيال تجاوزاً لقواعد الاشتباك وللخطوط الحمر، وهل يدفع الحزب في اتجاه التصعيد، وبالتالي يؤدي إلى تفجير الحرب في لبنان؟
تجدر الملاحظة أولاً أن مستشار رئيس الحكومة الاسرائيلية حرص بعد عملية الاغتيال على التأكيد ان “الهجوم لم يستهدف الحكومة اللبنانية ولا حزب الله”، في إشارة واضحة إلى أن إسرائيل ما زالت تحافظ على الضوابط. وقد شُنّت الضربة على الشقّة التي كان يعقد فيها اجتماع بين العاروري والقيادات الأخرى، بينما لم يكن حاضراً أي مسؤول في الحزب. وتضع إسرائيل اغتيال العاروري في سياق الحرب المفتوحة على “حماس” تحديداً. وكان سبق لها أن أعلنت أنها ستنفذ عمليات اغتيال ضد قادة “حماس” المسؤولين عن عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول، والعاروري هوعلى رأس قائمة الشخصيات المستهدفة، وكان مهتماً ببناء القدرات العملياتية للحركة في لبنان. وأمل بعد السابع من تشرين أن ينضمّ الفلسطينيون خارج غزة إلى القتال، كما رغب في مشاركة “حزب الله”، إلّا أن ذلك لم يحصل.
وفي المقابل، جاءت كلمة الأمين العام للحزب حسن نصر الله الأربعاء، لتؤكد استمرار سياسة ضبط النفس. وربّما يقوم الحزب بالردّ في مكان وزمان ما على الاغتيال. لكن هذا الردّ لن يتجاوز حفظ ماء الوجه، وسيكون مدروساً، بحيث لا يؤدي إلى تفجير الحرب على جبهة لبنان.
ولا يُعتبر أيضاً استهداف أربعة من “حزب الله” في الناقورة الخميس، بينهم القيادي حسين يزبك، عملية من خارج قواعد الاشتباك المعمول بها، فيما تكثفت العمليات في سوريا مستهدفة الحرس الايراني، حيث أدت إلى مقتل مستشار الحرس رضي الموسوي و11 من العناصر. كذلك استُهدفت ايران بتفجيرين قرب مدفن قاسم سليماني في كرمان، ما أدى إلى سقوط أكثر من 100 قتيل.
في أي حال، هناك أسباب كثيرة تدعو كلاً من اسرائيل والحزب إلى عدم تفجير الحرب، على رغم التهديدات المتبادلة وعروض القوة التي يقدمها الطرفان يومياً.
فمن الجانب الإسرائيلي، يبدو واضحاً أن مجرى المعارك لا يسير في الاتجاه الذي يريده
بنيامين نتنياهو، من حيث القضاء على قدرات “حماس”، على الأقل في وقت قريب. وبدا أن الحرب تحتاج إلى وقت أطول بكثير ممّا كانت إسرائيل تتوقّعه في البداية. لذا، فهي مضطرة إلى إطالة أمد المعارك وإلى الانتقال إلى المرحلة الثالثة قريباً، والتي تقوم على ضربات أقل شراسة وكثافة، وتقترب من أن تصبح حرب استنزاف.
وفي هذه الأجواء، وعلى رغم تهديدات نتنياهو والقادة العسكريين والاحزاب اليمينية، سيكون صعباً فتح جبهة ثانية بحجم حرب كبيرة مع لبنان. فهذه الحرب ستكون مرهقة عسكرياً للجيش الإسرائيلي، وستزيد من الانعكاسات السلبية على الاقتصاد الذي تأثر أصلاً بفعل الحرب في غزّة. وستعرّض عمق المدن الإسرائيلية لصواريخ الحزب، كما ستترك مزيداً من الشروخ في الداخل وفي الائتلاف الحكومي، وحتى لدى الرأي العام الإسرائيلي.
أمّا من جانب “حزب الله”، فالأسباب التي تدفعه إلى تجنّب الحرب كثيرة. وأبرزها أن إيران لا تريد التضحية بالحزب من أجل غزّة، بل هي تحتفظ بـ “درّة التاج” من بين أذرعها الخارجية لمراحل مقبلة متعلقة ربّما بالبرنامج النووي وبالمفاوضات المحتملة حوله. كما أنّ الحزب لا يريد بأي شكل من الأشكال إضعاف موقعه في التركيبة اللبنانية والذي عمل لسنوات على تقويته، لا بل ينتظر انتهاء الحرب على غزّة ليقبض في الداخل ثمن التهدئة التي يمارسها.
وهذا الثمن سيتظهّر لاحقاً عبر الاتصالات التي يقوم بها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين والصيغة التي يسوّقها للترتيبات الحدودية، التي ستكون بديلاً عن الحرب، وستحفظ مصالح اسرائيل والحزب في آنٍ واحد. وسيزور هوكشتاين تل أبيب هذا الأسبوع سعياً إلى تجنب الحرب. كما قد يتوجه إلى بيروت بعد ذلك. ومن المنتظر أيضاً أن يعود الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان لاستكمال المهمة المنسّقة مع واشنطن هذه المرّة.
ويتزامن ذلك مع مغادرة حاملة الطائرات الاميركية “جيرالد فورد” منطقة الشرق الأوسط خلال الأيام المقبلة، فيما ستبقى حاملة الطائرات الثانية “دوايت دي أيزنهاور”، ما يقلّل من حجم الانخراط العسكري الأميركي، ويعطي إشارات إلى أن وقت الحلول الدبلوماسية قد حان.