خاص- إحتمالات الحرب في لبنان تتراجع
بدا في الأيام الأخيرة وكأن هناك مؤشرات تصعيد توحي بأن الحرب ستنفجر على الجبهة اللبنانية. ومن هذه المؤشرات ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية للبنان، والتحذير الموجّه إلى الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله مباشرة، إضافة إلى قيام اسرائيل باغتيال مستشار الحرس الثوري رضي موسوي في ضواحي دمشق، والغارات المتجددة على مطار دمشق والجنوب السوري، وما يمكن أن يلي ذلك من ردّ ايراني عبر الحزب.
ولكن، هذه الصورة قد يكون مبالغاً بها، لا بل يبدو أن هناك معطيات أخرى مغايرة، ترجّح احتمالات تثبيت التهدئة في الجنوب، ومن أبرزها:
1- سير المعارك في غزّة، حيث يواصل الجيش الإسرائيلي عملياته المكثّفة على وسط القطاع وجنوبه، من دون أن يحقّق حتى الآن “انتصاراً” ملموساً في إطار هدفه بالقضاء على “حماس”. وهو يواجه صعوبات في تدمير الأنفاق، كما تتربص به الكمائن والألغام. ونظراً لصعوبة المعركة والإنهاك الذي أصاب الوحدات القتالية، فإنّ المنطق العسكري يقول بعدم الدخول في ساحات معارك جديدة الآن، خصوصاً أن الحرب في لبنان ستكون أصعب بكثير من الحرب في غزّة.
2- الضغط الأميركي الذي يفعل فعله في لجم التصعيد على الجبهة اللبنانية. فواشنطن الرافضة توسيع الحرب، لن تغطي أي هجوم اسرائيلي على لبنان، بعد كل القتل والدمار في غزّة. ولا يمكن لحكومة نتنياهو شنّ حرب كهذه من دون غطاء أميركي.
3- التزام “حزب الله” حدود الاشتباك الحالي وعدم توسيعه على رغم كل التطورات التي جرت في غزة. إذ بات واضحاً أن الحزب لا يريد زجّ نفسه في حرب كبيرة، تجعله يخسر الكثير من النفوذ الذي صنعه في الداخل اللبناني، والذي يريد قطف ثماره. وإذا ما بقي على وضعيته إلى ما بعد انتهاء الحرب في غزّة، فسيخرج “قوياً”، كما جرى في العام 2006.
4- الوضع الداخلي في إسرائيل، حيث تزداد حدة التباينات بين أحزاب اليمين والمعارضة حول المرحلة المقبلة في القطاع. وقد ألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي إجتماع كابينت الحرب الخميس، بسبب رفض الوزراء من اليمين بحث “اليوم التالي” في غزّة، الذي تضغط الولايات المتحدة على تل أبيب لاتخاذ قرار في شأنه منذ الآن. ومع تداعيات الحرب في الأشهر المقبلة، قد تتسع هذه التباينات، وربما تدفع في اتجاه خروج وزراء المعارضة من حكومة الحرب، بما يرفع الغطاء عن هذه الحكومة. وقد يؤدي ذلك إلى تنحي نتنياهو، خصوصا أن استطلاعات رأي نُشرت أخيراً بيّنت تقدما ًكبيراً للمعارضة، إذا جرت الانتخابات الآن.
ويتزامن ذلك مع “إغراءات” أميركية للحزب وإسرائيل معاً بإمكان التوصل إلى “تسوية” بين الجانبين، تكون تكملة لما تمّ التوصل إليه إثر عملية ترسيم الحدود البحرية التي أدت إلى تحديد ملكية الرقع النفطية في البحر، وسمحت للجانبين بالاستفادة من الغاز. وعلى رغم أن التنقيب أظهر عدم وجود غاز في جزء من البلوك رقم 9 اللبناني، فهذا لا يمنع إجراء عمليات تنقيب أخرى لاحقاً قد تُبيّن وجود الغاز.
وتحدثت معلومات عن أن الموفد الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين سيزور بيروت في شهر كانون الثاني المقبل، لاستكمال ما طرحه سابقاً حول إمكان إجراء ترسيم برّي، يكون هو الضمانة للتهدئة وللعودة إلى تطبيق القرار 1701 تطبيقاً حقيقياً.
والملاحظ أن “حزب الله” لم يرفض هذا الطرح، لكنه اعتبر أن الموضوع سابق لأوانه، ما دامت الحرب مستعرة في غزّة. ولكن هوكشتاين يحرص على تحضير الأرضية لهذه التسوية. والأهم بالنسبة إليه الآن هو عدم اتساع رقعة الحرب إلى لبنان. وقد أفهم الأميركيون إسرائيل والجانب اللبناني أن الاستقرار في لبنان هو خطّ أحمر أميركي.
وإذا ما حافظ الحزب على الاشتباك المدروس حتى انتهاء الحرب في غزّة، فهو “سيكافأ” عبر المقايضة على القرار 1701 في مقابل الرئاسة، وما بعد بعد الرئاسة.