خاص – التهجير إلى سيناء سيناريو “واقعي”
“لا نستطيع القول إنّ سيناريو التهجير الجماعي هو سيناريو غير واقعي، بعدما هُجّر 6.5 ملايين سوري من سوريا، ونزح6 ملايين شخص من اوكرانيا نتيجة لظروف الحرب”.
هذا الكلام لمروان المعشر نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والوزير الأردني السابق، يبرهن أنّ تهجير ملايين السكان الذي كان يُعتقد أنّه لم يعد وارداً أو ممكناً في الزمن الراهن، قد حصل بالفعل، وما زال يحصل، وسط عجز المجتمع الدولي أو تواطئه أو صمته.
فبعد أيام على إطلاق اسرائيل حربها على غزّة، ظهرت وثيقة من وزارة الاستخبارات الاسرائيلية تقترح تهجير مليونين وثلاث مئة ألف فلسطيني إلى شمال سيناء، عبر انشاء مدن من الخيم وعدم السماح للسكان بالعودة. وسارع المسؤولون المصريون إلى رفض هذه الفكرة رفضاً قاطعاً، مؤكدين أنهم لن يسمحوا بتصفية القضية الفلسطينية.
ولكن، على رغم ذلك، فإنّ المعطيات الميدانية قد تفرض نفسها في لحظة ما. إذ يبدو أن التطورات على الأرض تدفع بسيناريو التهجير إلى أن يصبح واقعياً. وقد نزح منذ بدء الحرب 85% من السكان إلى أماكن مختلفة في القطاع. وكثيرون منهم نزحوا مرّات عدّة مع اتساع القصف والدمار. وهم باتوا محشورين في رقعة ضيقة في الجنوب وفي رفح تحديداً. وأكدت رئيسة الفريق الانساني للأمم المتحدة في غزة جيما كونيل أنّه “لم يتبقَّ أمام الغزيين سوى مساحة صغيرة في رفح، حتّى أن الناس لا يعرفون إلى أين يذهبون. ويبدو كأنه يتمّ نقلهم حول رقعة شطرنج بشرية، لأنّ هناك أمر إخلاء في مكان ما”.
ومع استمرار الحرب العنيفة، يتفاقم الوضع الكارثي. فقد تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين الـ 20 ألفاً، وانهار القطاع الصحي أو دُمّر، وهناك نقص كبير في المواد الغذائية ، ولم يعد من امكنة كثيرة صالحة للعيش.
فهل سيكون في إمكان مصر مثلاً منع مئات آلاف السكان المهددين بالموت بفعل المجازر والجوع من الدخول إلى أراضيها؟ وماذا لو تكرّر سيناريو العام 2008 عندما تمّ تفجير الجدار وفتح فجوات فيه، حيث تدفق مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى مصر للتزود بالمؤن، في كسر للحصار عليهم؟ وقد غضّت السلطات المصرية حينها الطرف، وسمحت لسكان غزّة بالبقاء لبعض الوقت وشراء الحاجيات، قبل أن يعودوا إلى ديارهم.
أما اليوم، فالوضع مختلف. وأي فلسطيني يخرج من غزّة لن يُسمح له بالعودة. وما يزال النزوح الكبير في العام 1948 يطبع أذهان الفلسطينيين والعرب، ولا يريدونه أن يتكرّر.
وتعمل مصر في هذا الوقت على الدفع في اتجاه هدنة انسانية طويلة الأمد، لتفادي سيناريو التهجير ومنع جماعات الحركة الإخوانية من دخول مصر في النهاية، بما قد يشكل تهديداً أمنيا للبلاد ولنظام الحكم فيها.
ولكن في المقابل، لن يكون هذا الموقف المصري المتشدد كافياً لوحده للوقوف في وجه سيناريو التهجير، الذي قد يحصل كنتيجة لتخطيط اسرائيلي متعمّد، أو كأمر واقع بعد أن تضيق سبل العيش بالفلسطينيين المحاصرين في رفح.
وبالنسبة إلى الجانب الإسرائيلي، فإن خطط التهجير موجودة، وهي طرح جديّ، خصوصاً لدى الأحزاب اليمينية التي تشكل اليوم جزءاً أساسياً من حكومة بنيامين نتنياهو. وهذه الأحزاب لا يهمّها إن تأثرت معاهدة السلام مع مصر سلباً نتيجة لذلك. وهناك طروحات عدّة في هذا المجال، منها نقل الفلسطينيين إلى مصر أولاً، ثمّ إعادة توطينهم في بلدان أخرى بمساعدة المجتمع الدولي.
في المقابل، ترفض الولايات المتحدة أيّ حل يتمّ التوصل إليه اليوم أو في المستقبل، يتضمّن تهجيراً للفلسطينيين من أرضهم. ولكن، كلّما طالت الحرب، التي يقول نتنياهو إنها لن تتوقف قريباً، يقترب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. وثمّة من يرى أن رئيس الوزراء الاسرائيلي يعوّل على عودة “الحليف” دونالد ترامب إلى البيت الأبيض
في تشرين المقبل. وهذا الوضع، إن حصل، سيغيّر كل المعطيات. فترامب هو أب “صفقة القرن” التي تنهي حلّ الدولتين، وهو الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، وفعل لإسرائيل ما لم يفعله أي رئيس أميركي سواه.
اليوم التالي في غزّة لم تتضح معالمه بعد. وسيبقى رهناً بنتائج الحرب. ويعمد نتنياهو إلى إطالة المعارك قدر الإمكان، لتحقيق “انتصار” ما. ولكن لا شيء يمنع من أن تؤدي لعبة الوقت إلى إطاحة نتنياهو أيضاً. وعندها ستتغير أمور كثيرة، خصوصا في ضوء مَن سيكون الحاكم في البيت الأبيض.