خاص – ضغوط دولية لعزل جنوب لبنان عن غزّة
لم ينفجر الوضع في الجنوب على نطاق واسع، وما زالت المواجهات تحافظ على سقف محدّد للتصعيد منذ اندلاع الحرب في غزّة، والتي دخلت شهرها الثالث. يَعرف “حزب الله” الضوابط جيداً حتى الآن، ويلتزمها. حتى أن أمينه العام السيد حسن نصر الله لم يعاود الظهور مجدداً منذ آخر كلمة له قبل شهر، حين اعتبر أن “الكلمة هي للميدان”.
ولكن مع كل يوم تستمر فيه الحرب، يزداد خطر توسّعها في اتجاه لبنان. ويبدو أنّ المعارك في غزّة لن تتوقّف في مدى قصير، وربما تطول أكثر مما هو متوقع، وقد تتحول إلى حرب استنزاف بطيئة.
وتقوم الولايات المتحدة والدول الغربية بجهود حثيثة شبه يومية لمنع الحرب من التمدّد. وهناك الآن ضغوط دولية استثنائية، تمارسها تحديداً واشنطن وباريس، في محاولة لفك الارتباط بين ما يجري في غزّة والوضع في جنوب لبنان. وتقول المعلومات إنّ هناك تنسيقاً أميركياً فرنسياً حول الموضوع، حيث حمل الموفدون الاميركيون والفرنسيون إلى المسؤولين في لبنان صيغاً، فيها مزيج من الترغيب والترهيب، وأوصلوا رسائل في هذا المجال إلى الحزب على مراحل.
وكانت البداية مع زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الذي حذّر من التصعيد، وشدّد على أهمية عدم حصول فراغ في قيادة الجيش، لما للمؤسسة العسكرية من دور أمني في هذه المرحلة بالذات.
وفي الوقت عينه، كلّفت واشنطن الموفد آموس هوكشتاين العمل على خط التهدئة، وهو الذي كان المفاوض الوسيط في ملف الترسيم البحري والغاز ونجح في تحقيق مهمته. ونقل هوكشتاين ضرورة الحرص على التهدئة في لقائه الأخير في دبي مع النائب الياس بو صعب الذي عمل بدوره على خط الترسيم والغاز.
وفهم بأنّ الموفد الأميركي أشار إلى وجوب الحفاظ على الايجابيات التي خلقتها عملية ترسيم الحدود البحرية وما نتج عنها من فتح مجال التنقيب عن الغاز، والذي إن توقّف الآن، يمكن أن يعاود في أي وقت لاحق وفي أي مربع آخر. وهذا سيعود على لبنان بتمويل مهم في خضم الأزمة الاقتصادية التي يعيشها منذ أربعة أعوام.
أما فرنسا، فأخذت على عاتقها متابعة الملف في جنوب لبنان. وشهدت بيروت زيارات لرئيس المخابرات الخارجية الفرنسي برنار ايمييه، والذي سبق أن عمل سفيرا لبلاده في لبنان، ثم لوفد فرنسي من مسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع والذي وصل من اسرائيل، ناقلا رسالة عن وجوب تطبيق القرار 1701.
ولكن، الردّ الذي وصل إلى هؤلاء الموفدين الفرنسيين، هو أن “حزب الله” ليس اليوم في وارد الدخول في أيّ حديث حول القرار 1701 وهو يرفض الطروحات لتعديله. وبالتالي أفهم الحزب من يعنيهم الأمر أن فصل مسار الحرب في غزّة عن الوضع في الجنوب اللبناني أمر غير ممكن. وهو يعتبر أن الحرب كما تجري اليوم لم تحقق أي نصر لاسرائيل، وليس مضموناً أن يتحقق ذلك في ظل استمرار قدرة “حماس” على القتال وتكبيد الخسائر للقوات الاسرائيلية. كما أن الحزب يعتبر أن فتح موضوع الجنوب سابق لأوانه. فالمطلوب، برأيه، من اسرائيل تطبيق القرار 1701 قبل أن يُطلب من لبنان ذلك. وليس هناك ما يجبره على الانصياع للطلبات الدولية بالانسحاب من منطقة جنوب الليطاني، والكلمة الآن للميدان، وهو الذي يحدد مسار الأمور.
واستناداً إلى ذلك، فإن كل الطروحات الغربية الخاصة بترتيبات في جنوب لبنان وبالقرار 1701 مرفوضة من جانب الحزب في الوقت الراهن. وهو الذي يقرر متى يصعّد وكيف تبعاً لما يراه مناسباً وتبعاً لمصالحه ومصالح ايران ومحور المقاومة.
وإلى أن تنتهي الحرب في غزة، لن يكون أمام الدول الكبرى الآن سوى استمرار العمل للحفاظ على التهدئة وعدم انفجار الوضع في شكل مدمر، إذا ظلّ ذلك ممكناً.