تدقيق شهادات العراقيين… اكتشاف “تزوير” معادلات
لم تنته فصول قضيّة الطلاب العراقيين الذين نالوا شهادات وُصفت بأنها “مزورة” من جامعات لبنانية، إذ لا يزال الجدل قائماً حول الوضع القانوني لهذه الشهادات، خصوصاً بعد القرارات التي اتخذها مجلس التعليم العالي العام الماضي للتدقيق فيها وإخضاعها لشروط إبراز معادلة الشهادة الثانوية لمصادقتها. وبينما يسعى آلاف العراقيين لإنجاز معاملات تعديل شهاداتهم، لا تزال العملية في وزارة التربية بطيئة بسبب الإضرابات، إذ إن العمل لم يصل إلى ما كان عليه قبل أزمة الانهيار الأخيرة، وهو ما أدّى إلى الصدام الذي حدث قبل نحو شهرين بين الطلاب العراقيين وعناصر الأمن المكلفين أمن الوزارة نتيجة تجمّعهم بأعداد كبيرة لتقديم طلبات المعادلات.
وفق المعلومات أن لجان المعادلات في وزارة التربية تمكنت خلال عام تقريباً من تصديق نحو 3 آلاف شهادة لطلاب عراقيين بعد التدقيق في المستندات والحصول على معادلات الشهادة الثانوية، لكن الأمر يتطلب وقتاً أكثر وفق مصادر في التربية نظراً للتعقيدات التي ترافق الملفات وتحتاج إلى مزيد من الموظفين واستقرار العمل، فيما يبقى بين 10 و12 ألف شهادة بحاجة للمصادقة بعد التعديل، وهذه العملية قد تتقدّم بعد تنفيذ البروتوكول اللبناني – العراقي، لقطع الطريق على شبكات المافيا التي تستغل الطلاب وتوهمهم بإمكان نيل المصادقة من وزارة التربية والتعليم العالي لقاء مبالغ مالية تصل أحياناً إلى ألف دولار أميركي لكل معاملة.
عملية تصديق الشهادات للطلاب وتدقيقها وإنجاز المعادلات المطلوبة فد تسير وفق آلية جديدة بعد وضع البروتوكول موضع التنفيذ. وقد علمت “النهار” أنه سيجري تسريع عملية المصادقات في التربية بعدما صدر المرسوم رقم 11311 في 15 أيار الجاري موقّعاً من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزيري المال يوسف الخليل والتربية والتعليم العالي عباس الحلبي، وينصّ، بناءً على بروتوكول التعاون والتنسيق بين وزارتي التربية العراقية واللبنانية الموقع في 22 آذار 2023، على دفع كل طالب عراقي مبلغ خمسين دولاراً لمعادلة شهادته إلى الجامعة التي بدورها تقدّمه إلى أمانة سر لجنة المعادلات في التربية من أجل معادلة شهادته.
وتنص المادة الثانية من المرسوم أن على كل مؤسسة تعليم عالٍ لبنانية أن تُعد لائحة شهرياً تُدرج فيها أسماء الطلاب العراقيين الذين قُدّمت ملفات المعادلات العائدة لهم إلى أمانة سر اللجنة في الوزارة، تُبيّن فيها تاريخ التسجيل والمبلغ المالي الذي تسلمته من الطلاب وتودع مجموع المبالغ كهبة نقدية مخصصة لدعم سير العمل في المديريات العامة المعنية، وبالأولوية تلك المتخصّصة بشؤون المعادلات للشهادات غير اللبنانية، لدى شركة تحويل الأموال التي تحددها المديرية المختصة في الوزارة.
أما في المادة الثالثة، فيحدد وزير التربية بقرار يتخذه بناءً على اقتراح المدير العام مقدار التعويض المالي لكل من اللجان التي تتولى البتّ في طلبات المعادلة المسجلة لديها وكذلك للعاملين في المديرية. ويخصّص 40 في المئة من المبالغ المودعة لتغطية نفقات اللوازم والتجهيزات، وإذا تحقق فائض من الهبة يحوّل بقرار من الوزير لدعم مالي لتحقيق سير عمل وحدات المديريات العاملة.
تبيّن خلال الفترة السابقة أن إنجاز المعادلات المطلوبة للطلاب العراقيين وتدقيقها يحتاج إلى عمل إضافي. وأوضحت مصادر في التربية أن عملية كشف أي تزوير في المعادلات تتطلب وقتاً ومقارنات وعودة إلى المستندات والتواقيع، مشيرة إلى أنه بنتيجة التدقيق ضُبطت مئات المعادلات المزوّرة التي تقدم بها طلاب لمصادقة شهاداتهم الجامعية، وذلك من خلال التدقيق في توقيع العديد منها، وكلها لشهادة الثانوية العامة.
وما زاد من التعقيدات، هو دخول شبكات مافيا وسمسرة ومعقبين على خط مصادقة الشهادات لقاء مبالغ مالية، وتقول مصادر التربية إن المعقبين من الشبكات هم لبنانيون وعراقيون، وقد وقع العديد من الطلاب ومن بينهم لبنانيون ضحيتها خصوصاً خلال ذروة الأزمة قبل ثلاثة أشهر مع تدفق الآلاف لتصديق شهاداتهم من لبنان والخارج. ولذا ترى المصادر أن صدور مرسوم الحكومة حول الهبة وفقاً للبروتوكول اللبناني-العراقي سيوقف السمسرة ويحد من عمل الشبكات، لكن حل المشكلة سيأخذ مزيداً من الوقت لإنجاز المعاملات المتكدّسة.
لا تُصنّف شهادات الطلاب العراقيين “مزورة” لكن تشوبها مشكلات قانونية ونقص في معاييرها الأكاديمية. والحديث هنا عن طلاب نالوا شهادات ماستر ودكتوراه وأيضاً إجازة. فقبل سنتين جرى الحديث بداية عن نحو 18 ألف طالب عراقي ثم ارتفع العدد بعد التدقيق إلى 24 ألفاً، واستقر على 27 ألف شهادة. هؤلاء لم يحصلوا على شهاداتهم في سنة واحدة. وسُلّط الضوء على ثلاث جامعات متورّطة تُعدّ الأكثر جذباً للطلاب العراقيين، هي الجامعة الإسلامية والجامعة الحديثة للادارة والعلوم وجامعة الجنان، لكن الأمر يتخطى ذلك. تقول مصادر تربوية لـ”النهار” إن أعداد العراقيين الذين مُنحوا شهادات تخرّج معظمهم عبر الأونلاين مع حضور متقطع، حيث تولى سماسرة تسجيل الطلاب عبر شبكات وترتيب مصادقة الشهادات، وحتى تأمين المنازل واستئجارها للذين يأتون الى لبنان لقاء مبالغ مالية مدفوعة بالدولار النقدي، وكذلك تسوية أوضاعهم لدى الجهات الأمنية. ولا يتعلق الأمر بالطلاب العراقيين وحدهم، بل بطلاب من جنسيات مختلفة ومن بينهم لبنانيون نالوا شهادات بالطريقة نفسها ووفّرتها جامعات لا تستوفي المعايير والشروط الأكاديمية اللازمة خصوصاً في مرحلتي الماستر والدكتوراه.
وبالرغم من أن هذه المشكلة أثارت جدلاً في العراق، قرّرت حكومته حلّ مشكلة الشهادات الممنوحة من الخارج، وتسوية أوضاع الحاصلين عليها من خلال الاعتراف بها. أما في لبنان فاتخذ مجلس التعليم العالي قراراً لتسوية شهادات الطلاب العراقيين التي أدرجها البعض تحت خانة “التزوير”. وقرر المجلس حينها أن قبول تسجيل أي طالب في أي برنامج ماجستير أو دكتوراه مشروط إن كان من حملة شهادة ثانوية غير لبنانية، وإجازة جامعية غير صادرة عن الجامعة اللبنانية، أن يكون قد أبرز إفادة بمعادلة كل من الشهادة الثانوية والإجازة الجامعية اللتين يحملهما، وبالتالي فإن عدم احتواء ملف أي طالب مسجل وخاصة ابتداءً من العام الجامعي 2020-2021 على الإفادتين بالمعادلتين المذكورتين يؤدي حكماً إلى عدم قانونية قبوله، وتبعاً لذلك إلى ترتب المسؤولية على الجامعة التي قبلته لمخالفتها شروط القبول وفقاً لما تنص عليه أحكام المادة 61 وما يليها من قانون التعليم العالي رقم 285 تاريخ 30/4/2014. أما القرار الثاني، فيشترط لكل جامعة أن تراعي حين تسجيلها لأي طالب في أي برنامج طاقتها الأكاديمية وقدرتها الاستيعابية المادية وفقاً لما ينص عليه القانون خصوصاً لجهة الشروط التي يجب توافرها لدى أفراد الهيئة التعليمية لديها، والتناسب بين عديدهم وأوضاعهم الأكاديمية والمهنية وعدد الطلاب المسجلين في كل برنامج.
اليوم تستمر أعمال المصادقة وإنجاز المعادلات في التربية والتدقيق بصحة الشهادات الصادرة عن جامعات لبنانية المخالفة، ويتوقع بعد صدور المرسوم التعجيل بالعملية، فيما آلاف الشهادات لم يستكمل أصحابها الشروط المطلوبة للمصادقة، وإذا استمر الوضع على حاله فقد يكون مصير بعضها الشطب والتصفية.