حذارِ العبث بالتعليم ومنع الامتحانات الرسمية!

حذارِ العبث بالتعليم ومنع الامتحانات الرسمية!

الكاتب: ابراهيم حيدر | المصدر: النهار
13 نيسان 2023
 تتجه وزارة التربية إلى تحديد مواعيد جديدة للامتحانات الرسمية يُتوقع أن تكون في نهاية حزيران المقبل أو بداية تموز 2023، في محاولة لربح أيام إضافية لتعويض الفاقد التعليمي على تلامذة المدارس الرسمية وإنجاز 60 في المئة من المناهج الدراسية، علماً أن نسبة التحصيل في الرسمي بلغت حتى اليوم ما بين 35 و40 في المئة. خفّضت الوزارة أيام العطلة في الأعياد في ظل استمرار عدد من اساتذة الثانوي الرسمي نسبتهم ما بين 40 و50 في المئة، مقاطعة التعليم تحت عنوان “الانتفاضة” مطالبين بتصحيح الرواتب بما يتناسب مع التضخم ودفع حوافز مرتفعة بالدولار الاميركي ومطالب عدة تعجز الحكومة المفلسة عن تلبيتها من ضمن ما يطالب به موظفو الادارة العامة قبل أن تنهي اللجنة الوزارية مناقشاتها في شأن دفع مبالغ بالدولار للموظفين وفق فئات القطاع العام. وبينما استثنى اقتراح وزير المال الاساتذة من جدول الزيادات، يُصر وزير التربية عباس الحلبي على أن تشمل المعلمين وفق آلية يتم الاتفاق عليها بالتوازي مع بدل الانتاجية التي تُمنح للاساتذة.
تدرس التربية ملف الامتحانات الرسمية لناحية تحصيل التلامذة في القطاعين الرسمي والخاص، وهي بصدد تقليص المناهج وخفض المواد، على الرغم من اعتراض اتحاد المؤسسات الخاصة واعتباره أن مدارسه أنجزت المنهاج كله، رافضاً الاستغناء عن المواد الاختيارية، إلا أن الاحصاءات حول المواد المنجزة التي قدمها المركز التربوي للبحوث والإنماء تشير إلى أن المدارس الخاصة لم تتمكن أيضاً من انجاز المناهج كاملة باستثناء بعض المدارس الكبرى، لاسباب لها علاقة بأوضاع المعلمين في الخاص، وإن كانوا لم ينقطعوا عن التعليم. وأذا كان من المتوقع أن تحسم التربية وجهتها خلال أسبوع، إلا أن المشكلة تبقى في الثانوي الرسمي، مع تمنّع عدد من الأساتذة عن التدريس على وقع الخلافات داخل الرابطة، حيث يتوجه هؤلاء إلى التصعيد وصولاً إلى منع إجراء الامتحانات الرسمية، مع الاستمرار في الإضراب إضافة إلى استخدام كل الأدوات لإجهاض خطط التربية لدمج المدارس والثانويات والتعاقد مع أساتذة في الملاك التحقوا بالتعليم وزيادة ساعات المتعاقدين لإنهاء ظاهرة التعليم الجزئي لتلامذة الشهادات والتمكن من تعليم الجميع.
أخطر ما يحدث في الثانوي الرسمي تحديداً أن جسمه التعليمي عاجز عن إدارة حوار للتوصل إلى تسويات مرحلية، ليس لإنقاذ السنة الدراسية وانجاز الامتحانات فحسب، بل لحماية التعليم الرسمي كله. المسالة لا تقتصر على العجز فقط بل في القصور الناجم عن مقاربة الأزمة، والأوهام التي ترسخت في عقول “المنتفضين” بأن المقاطعة والاضراب المفتوح يمكن من خلالهما تحقيق المطالب ونيل الحقوق كاملة، وأن هذه الطريقة الوحيدة التي تحمي التعليم انطلاقاً من حق الإضراب الذي تكفله القوانين. لكن هذه المقاربة في ظل إفلاس الدولة، ومطالعة عدد من أهل السلطة لإنهاء التعليم الرسمي ولمدارسه، يؤدي التمسك بها إلى خراب القطاع وتحوله إلى مجرد مكان للتنفيعات والتوظيف بلا قيمة فعلية، خصوصاً بعدما شهدنا منذ بداية السنة هجرة لتلامذة الرسمي إلى الخاص أحدثت اختلالاً خطيراً بين عدد التلامذة والاساتذة في المدرسة الواحدة.
يخوض الاساتذة الممتنعين معركتهم من دون تقييم فعلي لمستقبل التعليم، فلا ينفع صب جام الغضب ضد وزارة التربية واطلاق الاتهامات ورفع الشعارات الشعبوية التي تغيّب المسؤولية الحقيقية عن انهيار التعليم. والأخطر أنه عندما تغيب الموازنة بين الحقوق المشروعة للمعلمين وبين استمرار التعليم وحمايته، تصبح العشوائية هي السائدة وتفتح على مزيد من الأزمات. أما تحويل الانظار من التركيز على انقاذ التعليم والدراسة إلى التعبئة ودفع التلامذة لإلغاء الامتحانات الرسمية وحتى منعها، فذلك يعني العبث بما تبقى من المدرسة وانحدار العمل النقابي التعليمي إلى هاوية سحيقة