يوسف الخليل المتواطئ مع رياض سلامة: أين التدقيق الجنائي؟
في 17 أيلول 2021، وقّعت وزارة الماليّة –بالنيابة عن الجمهوريّة اللبنانيّة- عقد التدقيق الجنائي الثاني في ميزانيّات مصرف لبنان، مع شركة آلفاريز آند مرسال. في ذلك الوقت، كانت قد انتهت مفاعيل العقد السابق الأوّل، الموقّع في 31 آب 2020، بسبب عدم تعاون مصرف لبنان ومماطلته في تسليم المعلومات المطلوبة.
تواريخ ومهل…وتدقيق ضائع
بحسب العقد الجديد، كان من المفترض أن تؤكّد آلفاريز آند مرسال قدرتها على المضي بعمليّة التدقيق الجنائي بعد 15 يومًا من التوقيع، بعد الاطلاع على المعلومات المتوفّرة والتي سيسلّمها المصرف المركزي، على أن ينجز تقرير التدقيق الأوّلي بعد إثنا عشر أسبوعًا من ذلك التاريخ.
بصورة أوضح، كان من المتوقّع أن يبصر تقرير التدقيق الأوّلي النور بعد ثلاثة أشهر ونصف من تاريخ توقيع العقد، أي في أواخر العام 2021. لكن بخلاف كل هذه المهل، مضى على توقيع العقد أكثر من سنة وستّة أشهر، من دون أن يعرف اللبنانيون مصير هذا التدقيق أو نتائجه، بل ومن دون أن يعرفوا حتّى إذا ما كانت الشركة قد استلمت المعلومات أو قامت بإجراء التدقيق منذ الأساس.
عنق الزجاجة هنا. الذي يحول دون معرفة الإجابات على هذه الأسئلة، ليس سوى وزير الماليّة: الوصي في السلطة التنفيذيّة على مصرف لبنان، وممثّل الجهة التي طلبت التدقيق بالنيابة عن الحكومة اللبنانيّة، أي وزير الماليّة. لكن من طرائف الأمور، أنّ من شكّل هذه الحكومة وضع موظفًا يعمل تحت يد حاكم المصرف المركزي، ليكون وزير الماليّة المشرف على هذا التدقيق.
المنظمات غير الحكوميّة تسأل
كل هذه التطوّرات دفعت ست منظمات حكوميّة، هي “كلنا إرادة” و”الشفافية الدولية لبنان – لا فساد” و”الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين” و”المفكرة القانونية” و”مرصد حقوق المودعين” و”مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد” في جامعة القديس يوسف، إلى توجيه كتاب رسمي لوزير الماليّة يوسف الخليل، للسؤال عن مصير هذا التدقيق اليوم. مع الإشارة إلى أنّ هذه المنظمات منضوية ضمن “الإئتلاف من أجل المحاسبة وعدم إفلات الجرائم المالية من العقاب”، الذي تأسس بموجب المبادرة التي أطلقتها في 11 كانون الثاني 2023، لتحديد المداخل الرئيسية لمحاسبة المسؤولين عن الأزمة، ولإنهاء مسار الإفلات من العقاب.
الكتاب استند إلى أحكام القانون رقم 28 تاريخ 10/02/2017 (الحق في الوصول إلى المعلومات) وتعديلاته، لطلب “تزويدها بالمعلومات المتوفرة لديه، وأي مستند مفيد من شأنه الإعلام بما هو واقع الحال الراهن بالنسبة لمراحل تنفيذ عقد التدقيق الجنائي (forensic audit) الجديد، الموقع بتاريخ 17/9/2021 مع شركة ألفاريز آند مارسال (Alvarez & Marsal)”
كما أشار الكتاب إلى انقضاء ما يقارب السنة ونصف السنة على توقيع العقد، من دون أن يُعرف بعد “إذا كانت قد أنجزت المهمة وقدمت الشركة تقريرها المبدئي (PreliminaryForensic Audit Report)، لكي يبنى على الشيء مقتضاه، أم أنها غير قادرة وغير راغبة، وفي مطلق الأحوال متقاعسة، ويقتضي بالتالي إما تسوية الوضع القائم وإتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، و/أو تكليف سواها ضمن ما تجيزه الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء.” كما طلب الكتاب تزويد المنظّمات بكل ما هو “مفيد من معلومات وتفاصيل لهذه الغاية.”
تذليل العوائق أمام عمل آلفاريز آند مراسال
وكانت شركة آلفاريز آند مارسال قد إلتزمت –بموجب العقد الموقّع بتاريخ 17/09/2021- “بتقديم الخدمات الاستشارية والمشورة على النحو المبين بالتفصيل في العقد المذكور، كما وبتقديم تقرير مبدئي عن نتائج التدقيق الجنائي لحسابات وأنشطة مصرف لبنان وحساباته.”
ومن جهته، “كان مجلس النواب اللبناني، بعد الصعوبات التي واجهت الشركة المكلفة بالمهمة بسبب المعوقات القانونية الناتجة عن التذرّع بالسرية المصرفية، قد علّق العمل بقانون سرية المصارف وجميع المواد القانونية الأخرى التي تشير إليه، بموجب القانون رقم ٢٠٠ تاريخ ٢٩/١٢/٢٠٢٠، وذلك إلى حين إنتهاء أعمال التدقيق الجنائي المشار إليه في القانون المذكور” كما أشار الكتاب.
وبحسب الكتاب، “كانت شركة ألفاريز آند مارسال قد أرسلت إلى حاكمية مصرف لبنان، من خلال وزارة المالية، قائمة أولية مفصلة لطلب الحصول على المعلومات، بشكل أسئلة تفصيلية تمكنها من تحديد ما إذا كان بإمكانها تجميع المعلومات الكافية، لتتمكّن من بدء المراجعة والمهمة وإصدار ما سمي في العقد قرار البدء، لإعداد وتقديم تقرير مبدئي (Preliminary Forensic Audit Report)، يتضمن نتائج التدقيق الجنائي للحسابات لدى مصرف لبنان وأنشطته.” وأشار الكتاب إلى أنّه كان “قد إستتبع ذلك بجملة من الإجراءات العملية واللقاءات التي أظهرت وكأن عملية التدقيق سارية على خطىً منتظمة ووفقاً للمقتضى.”
لكن الإشكاليّة الأساسيّة تكمن بحسب الكتاب في مرور ما يقارب السنة ونصف السنة على توقيع العقد الجديد، “ولم يُعرف بعد أو يُصرح أو يُفصح للعموم عما إذا كانت شركة ألفاريز آند مارسال قد إستحصلت أولاً بأول على الأجوبة والمعلومات التي طلبتها من مصرف لبنان، ووجدتها كافية للتمكن من بدء المراجعة ومتابعة مهامها على أكمل وجه، عملاً بأحكام العقد الموقع منها.”
أمّا أهم ما أشار إليه الكتاب في المحصّلة، هو الغموض الذي يحيط بمصير التدقيق بأسره، إذ لم يُعرف ولم يُصرّح عمّا إذا كان هناك أي تقرير قد أُنجز، أم إذا كانت الشركة غير قادرة على بدء عمليّة التدقيق، أو إذا كانت الشركة لم تعد راغبة بإنجاز هذا التدقيق أصلًا.
وذكّرت المنظمات الحقوقيّة “بما يمثله التدقيق الجنائي، من أهمية وأمل للشريحة الأكبر من اللبناننين، وسيما منهم هؤلاء الطواقين للعدل والعدالة وإحقاق الحق والقانون والمحاسبة.” كما لفتت لكون هذا التدقيق شرطًا معلّقًا “لتوقيع الإتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، والإستحصال منه على التمويل الضروري المطلوب”. أمّا الأهم، فهو ضرورة التدقيق “كشف المستور، واكتشاف عمليات الغش والتزوير واختلاس الأموال العامة، وسائر الجرائم التي أوصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم من سوء وتردي البلاد إلى حافة الإنهيار؛ ناهيك عن تحديد حجم الخسائر.”
في النتيجة، من المفترض أن يكشف رد يوسف الخليل وضعيّة هذا التدقيق اليوم، كما من المتفرض –بحسب القانون- أن يكشف ما أصرّ على إخفائه منذ توقيع العقد في أيلول 2021. أمّا إذا خالف الخليل القانون، وتغاضى عن الإجابة على كل هذه التساؤلات، فسيكون قد ذهب بعيدًا على العمل كموظّف تحت إمرة رياض سلامة في المصرف المركزي، لا كوزير ماليّة حريص على الشفافيّة في التعامل مع الرأي العام.