حصار أرتساخ إلى متى؟

حصار أرتساخ إلى متى؟

24 آذار 2023

كتب مدير مركز MEC-affairs للدراسات الاستاذ سيروج أبيكيان في جريدة النهار ما يلي:

أذربيجان، الدولة التي فرضت إتفاقية ذلّ على أرمينيا بعد حرب 2020، ولا يزال أرمن أرتساخ يعانون تبعاتها حتى اليوم. وها هي تفرض واقعاً عسكرياً جديداً في منطقة جنوب القوقاز. وهي لم تكتفِ بهذا الحدّ بل انتقلت الى مرحلة استعمال المال في العقد الأخير، وتقدّمها وتطوّرها العسكري السّريع وفائض القوّة، خارج الحدود وتهديد دولة ذات طابع عسكري مثل إيران. كما وأنّها رسمت خطط وتحالفات عسكرية مع كل من اسرائيل وتركيا، لتصبح قوّة صاعدة تفاوض القوى الفاعلة والمسيطرة على المنطقة. وممّا لا شكّ فيه أنّها تستغل تطور الأوضاع بين أوكرانيا وروسيا التي تصرف النّظر عن التّوسّع الأذري، الى جانب الوضع الدّاخلي في تركيا وإيران وحاجة أوروبا لغازها…

استطاعت أذربيجان احتلال جزءٍ كبيرٍ من أرتساخ وفصل الإقليم كلّياً عن أرمينيا، مع ترك ممرٍ في منطقة بيردزور وهو ممر “لاتشين” الذي يصل أرتساخ بأرمينيا (الوجهة الوحيدة ل120 الف أرمني يعيشون فيه)، لإمدادهم بأساسيات الحياة فقط ، وهو تحت رقابة قوّات حفظ سلام روسيّة ، هي أشبه بشرطة مرور روسيّة. ومنذ أكثر من مئة يوم تفرض أذربيجان حصاراً وتمنع دخول المواد الغذائية وتهدد حياة ال 120 ألف أرمني، الذين استنفذوا جميع المخزون ولم يعد بإمكانهم الاستمرار في العيش، بالرّغم من صدور قرار تمهيدي من محكمة العدل الدولية تأمر بفتح الممر، وتوصية شديدة اللهجة من أمين عام الأمم المتحدة، إلّا أن علييف حتى تاريخه يرفض الإنصياع بهدف تهجير الأرمن كليّاً من أراضيهم والإستيلاء عليها.

ألا أنّ ما ينذر بالخطورة الشّديدة هو محصّلة إجتماع وزير خارجية أرمينا أرارات ميرزويان مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، الذي انتهى ببيان روسي يدفع الى تطبيق إتفاقية إنهاء الحرب بين البلدين لعام 2020، الإتفاقية المذلّة لأرمينا حيث تفرض بنودها منح الأخيرة لأذربيجان ممرات سيادية داخل الأراضي الأرمينية.

لذا ما يتّجه اليه علييف هو طرد وتفريغ أرتساخ من الأرمن من خلال التجويع ومنع المواد الغذائة من الدخول اليه، وبالتالي قضم الأراضي وتهديد العاصمة يريفان بالمباشر ومن ثم الإنقضاض على بحيرة سيفان فاحتلال أرمينيا كاملةً.

اذن في السياسة الأمور واضحة، وكذلك في القوانين الدولية، اذ نص البند الثاني من اتفاقية 9 ك2 من العام 1948 “اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية” كتعريف للابادة الجماعية على:

– أي فعل من الأفعال التالية المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه:

– قتل أعضاء من الجماعة.

– إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم لأعضاء الجماعة.

– إخضاع عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا.

– فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.

– نقل الأطفال بالقوة من مجموعة إلى مجموعة أخرى.

أما فالجرائم التي تُعاقب عليها فأتت في البند الثالث كما يلي:

– الإبادة الجماعية.

– التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية.

– التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.

– محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية.

– الاشتراك في الإبادة الجماعية.

اضافة الى القانون الانساني الدولي الذي يمنع أن يطال النّزاع المسلّح المدنيين والذين لايشاركون في الأعمال القتالية، الى جانب القانون الدولي لحقوق الأنسان الذي يضمن حياة الانسان كفرد أو كجماعة.

فكلّ ما تقوم به أذربيجان من حصار ومنع وصول المواد الغذائية، وفرضها التّجويع والتّهجير على أرمن أرتساخ، والعمليات العسكرية المتقطعة والقنص المباشر وتهديد حياة المدنيين بغية التّطهير العرقي الذي يعاني منه الأرمن، يندرج، لا بل هو تطبيق فعلي، للبنود المذكورة آنفاً، ولم تعد فقط محاولة إبادة بل أصبحت في مرحلة تنفيذ الإبادة الجماعية. والشّعب المُهدّد ينتظر التّدخل الدّولي السّريع لدرء اتمام جريمة الإبادة في ظلّ محاولات الحكومة الأرمينية لتدويل المسألة.

أمّا فاستمرار الوضع القائم سيؤدي الى كارثة إنسانية، وسيشهد العالم في القرن ال21 إبادةً جماعية، وحتماً الى انفجار جديد بين البلدين. اذ يبقى الحل بمعاقبة المرتكب، وعدم المساواة بين المعتدي والمعتدى عليه، ومنع وقوع جرائم ضد الانسانية وانتهاكات لحقوق الانسان، خاصة أن كافة البعثات الأوروبية وثّقت هذه الانتهاكات. ومن ثم الحوار تحت اشرافٍ دولي أو إعادة تفعيل مجموعة مينسك، وضبط الحدود بقوات حفظ سلام دولية بغية رسم حلّ نهائي للنّزاع.