“حزب الله” في مرحلة استدراج عروض رئاسي والعين على المملكة
ليس أدلّ على حجم الفراغ المستحكم بالمشهد السياسي في البلاد، اكثر من استمرار الرهان على الاجتماع الخماسي الذي انعقد قبل ثلاثة اسابيع في باريس وضم ممثلين عن كل من الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، ورصد كل ما لا يزال يتوافر عن مضامينه، سلباً أو ايجاباً، على نحو يسعى معه الوسط السياسي الى فهم ما اذا كان يمكن التعويل على ذلك الاجتماع أو انه فعلاً وُلد ميتاً، ما دام لم يحظَ بأي متابعة او مواكبة لنتائجه.
هل هذا يعود الى المستوى التمثيلي للاجتماع الذي كان على مستوى مستشارين وسفراء لا يملكون الضوء الاخضر لتجاوز السقوف السياسية المحددة لهم، أم انه يعود الى حجم الخلافات والتباينات التي برزت بين المشاركين فيه، وعكست في الواقع صورة مصغرة للخلافات والتباينات عينها على الساحة اللبنانية؟
الاكيد ان استمرار التكتم حيال نقاشاته باستثناء بعض المعلومات عن الوقائع، لا يؤشر الى نجاح تحقق او امكانية للبناء على ما نوقش، خصوصاً ان المجتمعين اجمعوا على اهمية التوافق الداخلي حول المسائل العالقة وفي مقدمها الاستحقاق الرئاسي. الا ان الاكيد ايضاً وفق ما ابلغت مراجع سياسية لبنانية من السفيرة الفرنسية آن غريو ان الاجتماع ستكون له تتمة ومواكبة بآليات جديدة يعلن عنها في حينه، وقد يتوسع التمثيل الدولي فيه ليضم اعضاء جددا، علماً ان مراقبين لا يعوّلون كثيراً على الحركة الخارجية سياسية كانت أم اقتصادية، طالما هي تقوم على مقاربة غير سليمة من المجتمع الدولي تستند الى اولوية ان يتوافق اللبنانيون في ما بينهم لكي يتمكن المجتمع الدولي من تقديم الدعم والمساعدة. وفي رأي هؤلاء المراقبين ان هذه المقاربة خاطئة لأنه اذا حصل التوافق اللبناني الداخلي، لن تكون ثمة حاجة الى المجتمع الدولي، مشيرين الى ان الحاجة اليوم تكمن في ممارسة الخارج الضغط والدفع نحو اتمام الاستحقاقات الدستورية، انطلاقاً من عجز القوى المحلية عن التفاهم والقيام بدورها على هذا الصعيد.
في الانتظار، تبدو الصورة مشوشة محلياً في ظل انعدام التوازن بين القوى السياسية. ففي حين يقود “#حزب الله” فريق الممانعة في التعامل مع الاستحقاق الرئاسي انطلاقاً من استراتيجية عدم تسمية مرشح في شكل رسمي، والتمسك بزعيم “المردة” سليمان فرنجية مرشحاً غير معلن، يجري العمل من اجل تأمين الاصوات المطلوبة له، يقف الفريق المعارض مشتتا بعدما بات واضحاً تراجع حظوظ خياره السير بالمرشح النائب ميشال معوض، من دون ان تكون هناك خطة “باء” لهذا الفريق.
وفي حين تؤكد مصادر سياسية قريبة من “الثنائي الشيعي” ان هذا الفريق يركز كل جهوده من اجل ايصال فرنجية الى سدة الرئاسة، ترى مصادر مقابلة ان جُلّ ما يقوم به الحزب اليوم في مرحلة التريث والترقب وتعطيل جلسات الانتخاب، هو استدراج عروض لاتمام الاستحقاق، ليس اسم المرشح فيه مهماً بقدر ما يهم المشروع الذي سيأتي على اساسه، والثمن او الضمانات التي سيحصل عليها الحزب نتيجة ذلك، خصوصاً ان المنطقة مقبلة على مرحلة تسويات ومقايضات، والحزب الذي بات لاعباً اقليمياً فيها، يعمل اليوم على حجز مقعد متقدم له على طاولة المفاوضات، سيما وان التسويات ستأتي ضمن رزمة متكاملة تبدأ من اليمن وتمرّ بالعراق وصولا الى سوريا ولبنان.
لكن المفارقة اللافتة في مقاربة الحزب، هي الرهان على الموقف السعودي الذي تعتبره الأوساط القريبة من “الثنائي” اللاعب الاساسي اليوم في ملف الرئاسة، والوحيد القادر على حسم اسم الرئيس. فالمملكة، في رأي هذه الاوساط، تُعتبر كتلة ناخبة مهمة كونها قادرة على تحريك الاصوات السنية في المجلس، بما يجعل منها بيضة قبان اساسية في ترجيح الكفّة لمصلحة مرشح على آخر.
غير أن التسويق لفرنجية من قِبل هذا الفريق لا يعني ان طريق الرجل سلكت نحو بعبدا، وان كان هذا الفريق هو الناخب الاكبر وصاحب النفوذ الاساسي في الاستحقاق الرئاسي. لذا، لا تبدي مصادر معارضة ارتياحها لهذا التسويق الذي لا يقيم اعتباراً للشارع المسيحي، بل يتكىء على ما يزعم انه عدم ممانعة اميركية عبّرت عنه السفيرة دوروثي شيا في”تمشايتها” مع رئيس المجلس نبيه بري. واعتبر هذا الموقف مؤشرا الى عدم رغبة واشنطن بالتدخل في اختيار الاسماء، وان تعاملها سيكون مع الرئيس الذي يُنتخب. وهذا يعكس في رأي المصادر تقاطعاً بين عدم امكان الحسم الداخلي من دون الاخذ بالعامل الاقليمي والدولي، والسعودية على رأس هذه العوامل.
فرغم كل ما يُنقل عن موقف سعودي متشدد يعارض وصول فرنجية باعتباره مرشح الحزب، فإن الاوساط لا تستبعد ان يتحلى الموقف السعودي بشيء من المرونة، او عدم الممانعة او التدخل، على غرار ما حصل عندما تم انتخاب العماد ميشال عون رئيساً. والامر لم يكن ليحصل لو لم ترفع المملكة الحظر عن انتخابه، وإن كان ذلك من طريق عدم الموافقة او التأييد، وانما من باب عدم الاعتراض!
تسوّق أوساط “الثنائي” لهذا المناخ، مع شبه تأكيد ان خرق المراوحة في الاستحقاق سيكون من باب انتخاب فرنجية. في المقابل، تؤمن الاوساط المعارضة بان المرحلة اليوم هي مرحلة التصفيات في السباق الرئاسي تمهيداً للوصول الى المرحلة التي يبدأ فيها البحث الجدي عن المرشح الثالث، بعد أن تحترق حظوظ المرشحين الحاليين!