خاص- النزوح السوري: قضية يتناتشها الجميع (١)
يقال إن علاقة لبنان بجواره أي بالدول العربية المصنفة “صديقة له” ضروريةٌ إذ يعتبر أن التعاون مع هذه الأخيرة يريح الاقتصاد اللبناني. فهل فعلًا يرتاح لبنان من خلال علاقاته بالجوار؟ أفعلًا نستفيد اقتصاديًا وسياسيًا من التدخلات والأوضاع الإقليمية أو تشكل هذه الأخيرة مزيدًا من الضغوط على النظام والتركيبة والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الداخل؟ في الواقع، إن موقع لبنان الجغرافي الموازي للبحر الأبيض المتوسط والمنفتح على الدول العربية الإقليمية، جعله، ومنذ زمن، يتحمل التجاذبات والآثار المترتبة عن الازمات المختلفة التي أصابت جواره. والتاريخ يشهد على مدى تأثير الحروب الإقليمية على الوضع اللبناني من الصراع العربي الإسرائيلي وصولًا الى الحرب السورية التي بدأت تظهر ملامحها في العام 2011 حتى انفجرت في العام 2012. فالأزمة السورية لم تبقَ محليةً لا بل تمددت وأخذت من الأراضي اللبنانية حصةً يسكنها نازحون لا إمكانية لإحصاء عددهم واحتلت من الاقتصاد اللبناني قسمًا مهمًا من الحركة الاقتصادية.
النزوح السوري لم يشكل يومًا منفذًا للبنان واللبنانيين لا بل مزيدًا من الأعباء والاشكالات. وهنا يطرح السؤال الأكثر اثارةً للإشكال: هل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية تنظر بالرؤية نفسها الى هذا الوضع؟ وهل تعاطفها مع لبنان يكفيه أم هو بحاجة الى المزيد؟ وما هو المزيد الذي يحتاجه لبنان لتخفيف أعباء الازمة السورية على اقتصاده ووضعه الأمني والاجتماعي؟
- أعداد النازحين السوريين في لبنان وتأثيرهم على الوضع الديمغرافي
ثمة إشكالية بارزة وبالغة الأهمية عندما تتم محاولة تحديد اعداد النازحين السوريين المتواجدين في لبنان منذ دخول أول نازح سوري في نيسان 2011 إذ إن الجهات التي تصدر الإحصاءات ليست متفقة على عدد موحد. فثمة من يقول إن عدد النازحين السوريين في لبنان يبلغ حوالي مليون ونصف نازحًا. فيما ان العدد الذي صرحت به المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي يفترض أن تكون على دراية كاملة بجميع تفاصيل هذا الملف هو أقل بكثير بما أنها كشفت عن أن عدد النازحين السوريين المقيمين في لبنان هو ثمانمئة ألف نازح. في المقابل، كشف وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الاعمال هكتور حجار أن 30% من سكان لبنان هم نازحون سوريون مع كثافة سكانية تبلغ 650 شخص/كلم وهم يقيمون في حوالي ألف بلدة لبنانية. والتقت الأرقام التي صرح عنها حجار مع تلك التي أصدرتها المديرية العامة للأمن العام التي كشفت عن أن مليونين وثمانين ألف نازحٍ سوريٍ يقيمون الآن في لبنان. ويشار الى أن هذا العدد يشمل كلًا من الدخول القانوني وغير القانوني عبر الحدود. أمام هذا الواقع، سؤالٌ بديهيٌ يطرح: ما هي الخلفية القائمة وراء هذه الإشكالية؟ لماذا المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تصرح عن عدد منخفض جدًا بالنسبة لذلك الذي كشفت عنه الدولة اللبنانية؟ أهو فقط بسبب طلب الدولة اللبنانية بتوقيف التسجيل منذ العام 2015 أو لأنه يخدم مصالح الدول الكبرى؟
فعلى سبيل المثال، ضمن الاحصائيات التي نشرتها المفوضية على موقعها الالكتروني رسمٌ بيانيٌ يرتب بالتدريج البلدان التي تستقبل اللاجئين السوريين من الأكثر استقبالًا الى الأقل. لم يظهر لبنان ضمن الدول الخمس الأولى الأكثر استضافةً للنازحين السوريين. غير انه، لو تم الاعتماد على الأرقام التي أصدرها الامن العام لكان لبنان يصنف ثاني أكثر دولة استقبالًا للنازحين السوريين في العالم بعد تركيا. اشكاليةٌ أخرى تطرح على هذا الصعيد.
ولقد حاولت الدولة اللبنانية مواجهة ارتفاع أعداد اللاجئين السوريين في لبنان في احدى جلسات مجلس الوزراء في 23 تشرين الأول من العام 2014 حيث إنه صدر قرار يقضي بـ”وقف النزوح على الحدود باستثناء الحالات الانسانية الاستثنائية، وتسجيل الداخلين على الحدود وفق أسباب دخولهم للتأكد من تطبيق هذا الاجراء، وكذلك الطلب من مفوضية شؤون اللاجئين في الامم المتحدةUNHCR الالتزام بوقف تسجيل النازحين الا بعد موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية”. غير أن عدد النازحين السوريين لا يزال يرتفع كما عدد الولادات مما يعني أن سعي الدولة اللبنانية بقي دون أي جدوى فثمة معابر غير شرعية في المصنع، العبودية، القاع، البقيعة والعريضة ومعابر في سلسة جبال لبنان الشرقية وفي الشمال دخل منها عدد من النازحين.
وما يؤثر على عدد النازحين في لبنان هو أيضًا عدد الولادات. وعلى الرغم من صعوبة إحصاء عددها الا أن رئيس لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النيابية النائب فادي علامة أعلن أن “نسبة الولادات السنوية لدى النازحين باتت قريبة جداً من نسبة ولادات اللبنانيين”. وتكلم عن وجود 200 ألف ولادة سورية جديدة منذ العام 2019 حتى اليوم أي ما يعادل 20 ألفاً سنوياً. ومقارنةً بعدد الولادات للعائلات اللبنانية، فأكد علامة أنه ثمة “50 ألف ولادة سنوياً مقابل 70 ألف ولادة لبنانية”.
وإذا ابتعدنا عن الإحصاءات والأرقام ونظرنا الى الأثر المترتب عن وجود هذا العدد الكبير من النازحين السوريين في لبنان، نفهم ودون الحاجة الى التقدير والتوقعات أن الازمة الديمغرافية واقع لا مهرب منه. فوزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار يؤكد أنه بين كل طفلين ولدا اليوم في لبنان، واحدٌ منهم لبنانيٌ والآخر سوريٌ، معتبرًا أن هذه الحال تشكل “خللًا” للديموغرافيا اللبنانية، خصوصًا أن حجار لفت الى وجود مناطق لبنانية أصبحت كثافة النزوح السوري فيها تفوق أعداد السكان الأصليين. بالإضافة الى ذلك، ثمة دراسات عديدة، منها ما نشرتها الجامعة الأميركية في بيروت، وتطرق اليها الوزير علامة أشارت الى أنه إذا بقي الوضع يسير على هذه الوتيرة وخصوصًا مع الاعداد المذكورة سابقًا حيال عدد الولادات لا سيما الأطفال الموجودين في كل أسرة سورية (3 أطفال) مقابل الاسرة اللبنانية (طفل واحد)، الوضع ينذر بشكل فاقع الى وجود أزمة داهمة. فالدراسات تتوقع أن يصبح عدد السوريين يوازي عدد اللبنانيين خلال عشر سنوات.
ويضاف الى ان الابحاث بينت أن 98% من الولادات السورية الجديدة لا تسجل في قيد الأجانب لدى الأحوال الشخصية ما يعني أن هؤلاء الأطفال محتم عليهم أن يبقوا مكتومي القيد. كما إن تصريح الوزير هكتور حجار حول الكثافة سكانية بأنها تبلغ 650 شخص/كلمتر يرسم لنا مظهرًا أضافيًا من مظاهر الازمة الديمغرافية الا وهو الاكتظاظ والضغط السكاني.