خاص- خمرة الاستقلال لم تطب
ها هي السنة التاسعة والسبعون على استقلال لبنان. الاستقلال الذي بقي ذكرى وليس أكثر، بقي مجرد مناسبة تحتفل بها المدارس ويملأ بها السياسيون حساباتهم على تويتر وفرصة كي ترتاح الشوارع اللبنانية من زحمة السيارات.
عام تلو الآخر… مع رئيسٍ أو من دونه… وطعم الاستقلال يزيد مرارةً. وعكس الخمرة التي تزيد جودةً وقيمة كلما مر الوقت، خمرة الاستقلال لم تطب.
وهذه الدلالة الاكبر على ان الوقت غير كفيل بتحسن الاوضاع حتمًا وأن ليس كل ما يترك رهين الوقت سـ”يجوهر”. فالتسعة وسبعون عامًا كانت كفيلةً لجعل لبنان يشيخ خصوصًا مع موجات الهجرة الكثيفة في السنوات القليلة الماضية. يشيخ وهو ينتظر الفرج وشعبه ينفذ من الامل.
فهل الكرمة سيئة؟ أو البيئة التي تمت بها عملية التخمير ليست مناسبة للخروج بخمرةٍ لذيذة؟ أو هل اهل الاختصاص يدّعون التخصص فيما أنهم في الحقيقة لا يجيدون تخمير النبيذ أو لا يريدون اتقان العملية؟
وبوجود أي من هذه الظروف يستحيل الحصول على الجودة المرجوة فتخيب الأمال وتصبح الجهود دون أي جدوى.
أما خمرة الاستقلال اللبناني فهي تعاني من مجموعة هذه العوامل كافة. فالكرمة وإن كانت تتمتع بموقعٍ جغرافي جيد وبانفتاح على الحضارات الغربية وشعب يحب الثقافة والعيش غير أن هذا الموقع عينه بات نقمة بدلًا من نعمة في ظل تدخل الخارج في الشؤون المحلية وتأثير الحروب الاقليمية.
والبيئة هي أيضًا لم تكن مناسبة ولا سليمة لنجاح العملية فالوطن تنخره الطائفية والشعب اللبناني لم يتعظ من أخطاء تاريخه الاسود لا بل ظل يضع مصالحه الشخصية ومصالح الزعيم والطائفة والدول الخارجية التي يميل اليها قبل المصالح الوطنية… رئيس الميليشيا البطل المنتظر وعقيدته مسلمات لا جدال في شأنها. كما أن الظروف المحلية والاقليمية أتت تزيد الوضع سوءًا وصعوبةً. وربما يكون المثال الابرز على ذلك أن المقالات التي تعالج حاليًا مسألة الشغور الرئاسي تتناول وبشكل أساسي خيارات الدول الخارجية وتأثيرها على ملف انتخاب الرئيس.
وأخيرًا، أهل الاختصاص… الطبقة السياسية الحاكمة منذ اتفاق الطائف… ذاك الاتفاق الذي لا يزال موضع خلاف حتى الآن باعثًا في البعض شعورًا من الارتياح لنيلهم من صلاحيات البعض الآخر الذين بدورهم يأكلهم الغبن. فاختصاص هؤلاء- المستفيدين والمغبونين- يبدو أنه بعيدًا عن السياسية والنزاهة والرقي، لا بل تمرس بالسرقات والفساد والملفات المبطنة والصفقات.
فكيف لخمرة الاستقلال أن تطيب؟ وعلى الرغم من محاولة تحسين صورة هذه المناسبة في اذهان اللبنانيين من خلال الاعلام الدعائي لا سيما في المدارس والمؤسسات العسكرية، لن تنجح محاولتكم. فالبؤس الذي زرعتموه والاشمئزاز الذي تثيرونه سمم جذور الكرمة التي لم تتقنوا الاهتمام بها يومًا.