اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل… «مخاض ما قبل الولادة»؟
هل يسبق الانفراجُ في الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، الإفراجَ عن الانتخابات الرئاسية، سواء حصل الاتفاق قبل انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب خَلَف للرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر أو خلال فترة الشغور؟
وأي تأثيرٍ لإنهاءِ النزاع حول الخطوط وامتداداتها وحقول النفط والغاز على مسار الاستحقاق الرئاسي وتَعَرُّجاته في ضوء البُعديْن المحلي والإقليمي – الدولي لهذيْن الملفيْن وإمكان «تَبادُل التأثيرات» بينهما في ساحة «الأخذ والعطاء»؟
سؤالان طغيا على بيروت أمس، مع تَصَدُّر ملف الترسيم البحري واجهةَ المشهدِ السياسي من بوابة تسلُّم لبنان العرض الخطي من الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة آموس هوكشتاين وبدء درْسه تقنياً قبل تقديم «الجواب السياسي»، وسط مناخاتٍ إيجابية أشاعتْها السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي حملت نص المقترح إلى كل من عون ورئيسيْ البرلمان نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
وسريعاً حجب هذا التطور عنوانيْن باتا متشابكيْن: الأول الانتخابات الرئاسية وجلسة «ترسيم الأحجام» التي افتُتح بها الاستحقاق رسمياً (الخميس) من دون أي توقعاتٍ ببلوغ خواتميه السعيدة قبل قلْب صفحة عهد عون.
والثاني تأليف الحكومة الجديدة المترنّح منذ أكثر من 3 أشهر بين هبات تفاؤل وتشاؤم والذي يُنتظر أن تستمر لعبة «عض الأصابع» فيه على حافة ربع الساعة الأخير الذي يُبْقي فسحة زمنية لصدور مراسيم التأليف ومثول الحكومة المكتملة المواصفات أمام البرلمان لنيل الثقة قبل بدء «ولاية الشغور» في 1 نوفمبر.
وما أن أودعت السفيرة الأميركية، عون، العرضَ الخطي حتى فَتَح خطوط التواصل، ومن فوق كل «المتاريس» السياسية، مع كل من ميقاتي وبري الذي استوقف بعض الدوائر ما تم إيراده عن أنه «تسلم نسخة عن اقتراح الاتفاق النهائي لترسيم الحدود البحرية لدرسه والإجابة عنه».
وأشار المكتب الإعلامي للقصر الجمهوري إلى أن عون «تشاور معهما في الموضوع، وفي كيفية المتابعة لاعطاء الوسيط الأميركي رداً لبنانياً في أسرع وقت».
وأفادت معلومات في بيروت بأن العرض الذي قدّمه هوكشتاين يتضمن شرحاً لمسار المفاوضات منذ انطلاقها في الناقورة في أكتوبر 2020 وأنه جاء في 10 صفحات باللغة الإنكليزية، ولا يتضمن خرائط بل أرقام وإحداثيات تحتاج الى فريق تقني ومهندسين لفك مضمونها قبل تقديم الرد الرسمي عليها.
ونُقل أن المقترح التفّ على العقدة التي كان تَسَبّب بها سعي إسرائيل لجرّ لبنان إلى ترتيب «برمائي» عبر اعتماد آلية في الترسيم ترتّب تأثيراً للاتفاق البحري على الحدود البرية في نقاط متنازَع عليها، وأن العرض انطوى على فصْل كلي بين الترسيم البحري والبري، وأنه أقرّ بمنْح لبنان المنطقة الواقعة شمال الخط 23 مع جيْب جنوبه لضمان كامل حقل قانا المفترض لبلاد الأرز التي تقرّ في المقابل بـ «اسرائيلية» حقل كاريش، وبدء التنقيب في الحقول اللبنانية ولا سيما البلوك 9 (حيث قانا المفترض).
وفي حين قالت السفيرة الأميركية بعد لقائها رئيس البرلمان إن «الأجواء ايجابية جداً»، أبلغ بري، صحيفة «الشرق الأوسط»، أنّ مسودة الاتفاق النهائي «إيجابية وتلبّي مبدئياً المطالب اللبنانية التي ترفض إعطاء أي تأثير للاتفاق البحري على الحدود البرية»، ومشيراً إلى أن «الاتفاق يستلزم درساً قبل إعطاء الرد النهائي عليه، وسيتم توقيعه عند حصوله، في الناقورة عند نقطة الحدود».
وإذ عُلم أن المقترح تم إرسال نسخة منه إلى قيادة الجيش للدرس، ذكرت أوساط ميقاتي أن «المُقترح الأميركي الذي تسلّمه لبنان يحتاجُ إلى دراسة تقنية قبل الإجابة السياسيّة».
ولم يكن ممكناً الجزم أمس بما إذا كان العرضُ الخطي طوى ما جرى تداوُله عن «شريط أمني» بحري هو عبارة عن منطقة عازلة بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، طرحت بيروت بحال الحاجة إليها وضعها في عهدة الأمم المتحدة، ولا كيف وإلى أي حدّ ستعوّض شركة «توتال» (المطوّر لحقل قانا) من أرباحها تل أبيب عن حصتها التي تقول إنها تنازلت عنها لتسهيل الاتفاق.
وفي حين كانت شركة «إنرجيان»، التي تملك الامتياز بالتنقيب عن الغاز من حقل «كاريش» طلبت البدء باستخراج الغاز في منتصف أكتوبر الجاري، وعلى وقع ما أوردته القناة 12 الإسرائيلية أمس، من «أن الطاقم الأمني الإسرائيلي سيصادق الأسبوع المقبل على اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان»، فإن أوساطاً مطلعة أبقتْ على حذَرها بانتظار حلول «ساعة الصفر» للتوقيع كاشفة أن توقيت التحريك «الخطي» للمفاوضات تَزامَن من إدراك الأميركيين أن «حزب الله» يحضّر لرفع منسوب التعبئة من 50 الى 80 في المئة في إطار استعداداتٍ لزيادة الجهوزية تحسباً لكل الاحتمالات وبينها بدء تل ابيب بالاستخراج من جانب واحد أي قبل حصول اتفاق الترسيم والإفراج عن حق لبنان بالتنقيب في كل بلوكاته.
ورأت الأوساط أن العرض الخطي على أهمية تقديمه ومضمونه لا يعني بالضرورة أن الترسيم سيحصل غداً، موضحة أن ثمة جانباً تقنياً مهماً يتعيّن على الجيولوجيين في المقلب اللبناني متابعته ويتّصل بحجم الخزان في حقل قانا المفترض وإلى أين يصل في امتداده البحري تحت الخط 23 جنوباً، إضافة إلى نقاط أخرى، ناهيك عن الحذر الواجب والدائم من تعقيدات الوضع الداخلي الإسرائيلي ودخول ملف الترسيم في ساحة المعركة الانتخابية في ضوء ما ينطوي عليه من انتصارٍ للبنان شق طريقه على وهج تَوازُن ردع أرساه «حزب الله».