عملية “الانتقام”… هل تعود أرمينيا وأذربيجان للحرب مجدداً؟
على الرغم من الهدنة الدبلوماسية بين البلدين، توترت الأجواء من جديد بين أذربيجان وأرمينيا بعد تحرك عسكري من باكو سيطرت خلاله على مرتفعات استراتيجية عدة في إقليم ناغورني كاراباخ المتنازع عليه مع يريفان.
وفي ظل محادثات سلام هشة، قال الجيش الأذربيجاني إنه” شن عملية، أطلق عليها اسم انتقام رداً على ما وصفها بالتحركات الإرهابية غير المشروعة للمجموعات الأرمنية المسلحة في أراضي أذربيجان”.
وقتل جندي أذربيجاني ومقاتلان أرمنيان، الأربعاء، في أعمال عنف قرب ناغورني كاراباخ، الجيب الانفصالي المدعوم من أرمينيا، والمتنازع عليه منذ الحرب التي استمرت 44 يوماً وأودت بحياة الآلاف في أواخر عام 2020، فيما وقع زعيم الانفصاليين في ناغورني كاراباخ، أرايك هاروتيونيان، مرسوماً يعلن تعبئة عسكرية جزئية في هذه المنطقة.
وتأتي المناوشات الجديدة بعد نحو أسبوعين من عقد وزيري الخارجية الأرميني والأذربيجاني محادثات ثنائية مباشرة هي الأولى بينهما منذ حرب 2020، حيث تشكل المفاوضات التي جرت في العاصمة الجورجية تبليسي، استكمالاً لاتفاق بين البلدين الواقعين في منطقة القوقاز تم التوصل إليه بوساطة الاتحاد الأوروبي في مايو “للدفع قدما بالمحادثات” حول إبرام اتفاقية سلام.
احتمالات الحرب قائمة
وحول التوترات الجديدة، قال المحلل المتخصص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، ليون رادسيوسيني، إنه “على الرغم من تسجيل بعض الزخم الإيجابي في المحادثات الأرمينية الأذربيجانية في الأشهر الأخيرة فإن الوضع ليس ورديا كما قد يبدو، فالسبب الأساسي للصراع، الوضع النهائي لناغورني كاراباخ لا يزال دون حل”.
وأضاف رادسيوسيني، عبر “سكاي نيوز عربية”، أنه “يمكن أن نقول إن الوضع الآن بات أسوأ مما كان عليه قبل حرب 2020، خلال نحو عقدين ونصف من المفاوضات الفاصلة بين حربي كاراباخ الأولى والثانية تحت رعاية مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، اتفقت أرمينيا وأذربيجان على وجود ناغورني كاراباخ التي يجب أن يكون لها وضع. كان ولا يزال التناقض حول طبيعة هذا الوضع هو السبب الذي قد يشعل الحرب في أي لحظة”.
وأوضح أن “أذربيجان أعربت عن استعدادها لتوفير أعلى مستوى ممكن من الحكم الذاتي داخل الإقليم. وفي الوقت نفسه، رفضت أرمينيا وسلطات ناغورني كاراباخ أي احتمال لأن تكون كاراباخ تحت السيطرة الأذربيجانية، وأن الحل الوحيد هو اعتراف أذربيجان باستقلال ناغورني كاراباخ”.
وتابع، “وبعد ضغوط دولية، ألمحت السلطات الأرمينية إلى أنها قد توافق نظريا على الحكم الذاتي الواسع للإقليم داخل أذربيجان بموجب ضمانات دولية، بما في ذلك النشر الدائم لبعثة حفظ السلام، إلا أن سلطات الإقليم أكدت أن أي وضع داخل أذربيجان غير مقبول بالنسبة لهم، لأنه لا يمكن أن يضمن حقوق الأرمن وسيجبر الأرمن على مغادرة وطنهم”.
وأشار إلى أنه “في مقابل ذلك، تضغط السلطات الأذربيجانية بأنه إذا لم تتخل أرمينيا عن مطالبها لمناقشة الوضع المستقبلي لناغورنو كاراباخ، فإن أذربيجان ستطالب بالحكم الذاتي للأذربيجانيين في منطقة سيونيك في أرمينيا بالمثل، وهذا يمثل تهديدًا غير مباشر لغزو سيونيك الحدودية”.
واعتبر أن “الطريقة الواقعية الوحيدة للمضي قدماً هي الاتفاق على بعض الحكم الذاتي لناغورني كاراباخ داخل أذربيجان، مع ضمانات بأن الأرمن سيستمرون في العيش هناك، وهذا سيحقق مكاسب عديدة للجميع بما في ذلك الغرب الذي سيطالب بسحب قوات حفظ السلام الروسية من ناغورني كاراباخ بعد تشرين الثاني 2025 بعد الانقطاع الكامل للعلاقات الروسية الغربية جراء حرب أوكرانيا”.
وبعد حرب أولى في التسعينيات، تواجهت أرمينيا وأذربيجان في خريف 2020 للسيطرة على منطقة ناغورني كاراباخ الجبلية التي انشقت عن أذربيجان بدعم من يريفان. وأسفرت الحرب الأخيرة عن مقتل حوالى 6500 شخص، وانتهت بهدنة تم التوصل إليها بوساطة روسية.
ومنذ ذلك الوقت، يقود الاتحاد الأوروبي عملية التطبيع بين البلدين والتي تشمل الانخراط في محادثات سلام وترسيم الحدود وإعادة فتح المواصلات بينهما.
في إطار اتفاق الهدنة، تخلّت أرمينيا عن مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها، ونشرت روسيا قوة لحفظ السلام قوامها نحو ألفي عسكري مكلفين مراقبة التقيّد بالهدنة الهشة، واعتبرت قوى في أرمينيا اتفاق وقف إطلاق النار “إهانة”.
وناغورني كاراباخ منطقة جبلية أعلنت غالبية أرمينية مدعومة من يريفان انفصالها عن أذربيجان عند انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991، مما أدى إلى اندلاع حرب أولى في التسعينيات أسفرت عن مقتل 30 ألف شخص وتهجير آلاف الأذربيجانيين.