قائد الجيش إن حكى… عن الحملات الجائرة على المؤسسة
“الجهر بالشكوى والشعور بالضيم والمظلومية” هو الاستنتاج الأبرز الذي يخرج به زوار قائد الجيش العماد جوزف عون الذي يمضي معظم أوقاته في مقر قيادته في اليرزة يتابع من كثب كل شؤون المؤسسة العسكرية وشجونها والمهمات المنوطة بها.
ليست تلك “الشكاية” مستجدة أو أُولى من نوعها يطلقها العماد عون أو يفصح عنها منذ تقلّده هذا المنصب الحساس، لكنها بدت لأولئك الزوار اكثر مرارة واتساعا من ذي قبل، بل إنهم وجدوها اقرب ما تكون الى “انتفاضة” في وجه الذين لا شغل لهم إلا “محاصرة المؤسسة العسكرية بالشبهات والاتهامات” والنيل من معنوياتها.
ويقول هؤلاء الزوار إن القائد لو شاء ان يحكي بلسان صريح ويبوح لكان قال الكثير، ولكان تحدث عن الجهد الاستثنائي الذي تتنكّبه قيادة الجيش منذ نحو عامين لتؤمّن عيشا كريما لائقا ولتوفّر لمؤسسة عديد عناصرها والعاملين فيها اكثر من 70 ألف عسكري خدمات لوجستية وقدرات على الحركة والتنقل وأداء المهمات المتعاظمة المطلوبة منها على طول الجغرافيا اللبنانية وعرضها، خصوصا بعد الانهيار المريع في قيمة الرواتب التي يتقاضاها ضباط هذه المؤسسة ورتباؤها وعناصرها والعاملون فيها.
وعليه يسرد القائد، الذي لا يكتم شعورا فحواه انه يجد نفسه متروكا لقدره، حجم الاتصالات والجهود واللقاءات التي اضطر الى اجرائها مع عواصم وجهات عربية واجنبية بغية تأمين جزء من الحاجات الواسعة لهذه المؤسسة من تموين وطبابة واستشفاء وتنقلات، فضلاً عن الاسلحة والذخائر ودورات التدريب.
ومن المفارقات التي يرويها هؤلاء الزوار هي كيف ان الاضواء كانت تسلط ساطعة على ما يسمى “ظاهرة عمليات الفرار الجماعي وترك الخدمة” من صفوف المؤسسة، في حين ان تلك الاضواء تخفت تماما عندما يكون الحديث مركّزا على الجهود الاستثنائية بكل المقاييس التي كان على قيادة الجيش بذلها لابقاء هذه المؤسسة واقفة في وجه الرياح ومتماسكة تؤدي تلك المهمات الثقيلة الملقاة على عاتقها امام واقع بالغ الصعوبة على كل المستويات. لا بل ان كثرا لم يتوانوا عن توجيه اصابع الاتهام الى قيادة المؤسسة بأنها “رهنت المؤسسة” لحظة توجهت هذه القيادة الى مَن يعنيهم الامر طالبة توفير سبل الدعم المادي واللوجستي لها على وجه السرعة والحيلولة دون تراجع قدراتها وتقلص امكاناتها ودورها.
ومن البديهي، وفق أولئك الزوار، ان ما حدا بقيادة المؤسسة العسكرية الى رفع الصوت عاليا والجهر بشكاية والتعبير عن المرارة هو هذه الحملة الظالمة التي تعرضت لها المؤسسة العسكرية في الايام القليلة الماضية، وذلك عندما قررت المضي في مهمة “القضاء على تجار السموم وصانعي الموت” في منطقة عزيزة على الجميع هي البقاع، وتحديدا حيّ الشراونة على تخوم مدينة بعلبك إحدى حواضر البقاع الاساسية، وتوجيه ضربات لأذرع هؤلاء القتلة الممتدة في مناطق اخرى تعبث وتخلّف المآسي والويلات.
لا يخفي قائد الجيش العماد عون في طيات حديثه مع الزوار اياهم التذكير بالحملة العاصفة التي هبّت في وجه الاجهزة والقوى الامنية في فترات متعاقبة تتهمها صراحة بالتقصير في مجال مكافحة تجار المخدرات، وذلك بعدما بدأت تغزو مساحات لا يستهان بها من الاجتماع اللبناني وتعبث بعقول الاجيال الفتية وتأخذ بها نحو دروب الادمان، مضافة اليها بطبيعة الحال شكوى بعض العواصم الخليجية الشقيقة، والتي كانت تعلو يوماً بعد يوم من تحوّل لبنان الى منصة اساسية لأطنان من المخدرات على انواعها تُصدَّر اليها من بيروت.
لذا ينقل هؤلاء الزوار عن القائد نوعا من عتب صريح حيال اتهامات سيقت للجيش ابان تأديته مهمة “شئنا ان تكون من اشرس المهمات لتأديب اولئك الضالعين بصناعة الموت والاتجار بها جهارا نهارا، مستخفين بالانظمة وضاربين عرض الحائط بالقوانين المرعية الاجراء، ويواجهون الجيش بكل ضراوة ويقتلون عناصره ويمنعون عليه التحرك والتنقل بحرية”.
واكثر ما يحزّ في نفس القيادة ذلك الاتهام الجائر والظالم بان عناصر الجيش قد اقدموا على تدمير المنازل على رؤوس ساكنيها من دون مراعاة للحرمات، علما ان المبنى الذي اقدمت دورية للجيش على تدميره لم يكن سوى مصنع ومخزن للمخدرات ومحطة للاتجار بها ليس إلا.
يُطلب من الجيش أداء مهمة ضارية بهدف ترسيخ الامن والامان والاستقرار الاجتماعي، ولكن فجأة يصار الى تصوير الجيش بصورة معتدٍ ومنتهك للحرمات. وفي موازاة ذلك يُطلب من الجيش ايضا منع مراكب الموت من الابحار من المياه الاقليمية وعلى متنها عشرات من النسوة والرجال والاطفال، وعندما تبادر بحرية الجيش الى تنفيذ الامر المنوط بها يضحي الجيش “صادما وقاتلا عن سابق تصور وتعمّد” ويصير وكأنه يدفع فواتير للخارج الذي يرفض بشدة ان تحطّ قوارب النازحين رحالها على شواطئه.
وبناء على كل ما تقدم، تستشعر المؤسسة العسكرية التي تصنع من الضعف قوة لكي تبقى متماسكة وعلى قدر من الفاعلية والقوة لإدراكها ويقينها ان هذا الامر “عماد” بقاء وطن يقاسي، بانه محظور عليها (المؤسسة) الحراك واداء الدور المنوط بها، وهي إن تحركت وأخذت المبادرة فانها تصير خلف قضبان الاتهامات والشكوك تأتيها من كل جانب.
ويخلص هؤلاء الزوار الى التأكيد انه رغم المرارة التي تستشعر بها قيادة المؤسسة وهي تواجه حملة من الاتهامات الظالمة واستقواء الخارجين على القانون والمستفيدين من وهن الدولة، فان ذلك لن يفتَّ في عضدها ولن يثنيها عن المضي في القيام بما هو مطلوب منها. واذا كان البعض يطلب توجيه ضربة الى “العمود الفقري للامن والاستقرار في البلاد والذي تجسده المؤسسة العسكرية”، فان عليه ان يعي ان ذلك لن يبقي وطنا يمارس فيه ادواره على مسارحه السياسية.