نواب 17 تشرين إلى البرلمان ورموز النظام السوري خارجه كيف ولماذا؟
قد يصح تشبيه انتخابات 2022 بالهزة الأرضية التي خلخلت ركائز قواعد سياسية عديدة. رؤوس كبيرة خرجت من إطار العمل السياسي البرلماني، أحزاب تقلص عديدها وبالتالي عدة شغلها وتأثيرها على القرار السياسي والإستحقاقات المرتقبة سواء في مسألة تشكيل حكومة جديدة أو بانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية. لكن إلى جانب هذه النتائج التي أفرزتها أصوات اللبنانيين وما سينتج عنها من تحولات، ثمة علامتان مفصليتان أنتجتهما انتخابات 2022 وعليهما تُبنى مشهدية عمل البرلمان الجديد.
في النقطة الأولى لا بد من التوقف عند سقوط رؤوس سياسية شكلت على مدى عقود امتدادا لرموز النظام السوري. إنتخابات 2022 سحبتها من الإطار بإرادة الشعب. إيلي الفرزلي، وئام وهاب، طلال أرسلان، أسعد حردان، فيصل كرامي… حتى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية اقتصرت كتلته على نائب واحد هو نجله طوني لأن النائب الجديد وليم طوق غير محسوب على التيار. أما النقطة الثانية فتمثلت في دخول كتلة نيابية جديدة من 13 نائبا من قوى التغييريين والمنبثقين من انتفاضة “17 تشرين” نجحوا على الرغم من التوقعات والإحصاءات التي قللت من حظوظهم، في تحقيق خروقات على كامل الساحة الانتخابية في لبنان، كان أبرزها في دوائر الجنوب الثالثة، التي تمثل معقلا لحزب الله، ودائرتي بيروت الأولى والثانية، ودائرة الشوف عاليه التي فاز فيها ثلاثة مرشحين من رحم الثورة.
لعل المزاج الشعبي العام والشبابي فعل فعله في هذه الإنتخابات فأحدث مفاجآت قلبت نسبياً توقعات محور “الممانعة” الذي يتزعمه حزب الله بالحصول على أكثرية وازنة في البرلمان الجديد وجاء الصوت “العقابي”، المُوجّه ضد الطبقة السياسية بفعل النقمة على تسببها بالأزمة الاقتصادية المالية الخانقة في البلاد، أو الرافض لسطوة الحزب وهيمنته على القرار السياسي، والمعترض على استتباعه لبنان لمشاريع إيران الإقليمية، بخيبة في تقديرات الحزب وحلفائه في يوم الاقتراع الطويل.
ما حصل يشكل علامة مفصلية في تاريخ الجمهورية الثانية لكن كما يقول المثل الشعبي “راحت السكرة وإجت الفكرة”. لن نستبق الأحداث ولن نفسد فرحة اللبنانيين الطامحين إلى التغيير والذين نزلوا صباح الأحد للإقتراع لوجوه تغييرية جديدة وهللوا لدخول 69 نائبا معارضاً المجلس الجديد في وجه 59نائبا يشكلون كتلة الممانعة. أرقام تدعو إلى التفاؤل، كلنا نتمناها . لكن لا بد من قراءة بعض النتائج في ضوء الوقائع. في مسألة إقصاء رموز النظام السوري التي شكلت مفاجأة قد تكون إرادة الشعب فعلت فعلها. لكن ليس صدفة أن تتدحرج رؤوس رموز سوريا في ضربة واحدة ويطلع الضوء على برلمان جديد من دونها.
مصادر ديبلوماسية تشير عبر المركزية إلى أن ثمة قرارا متخذا من إيران ويتزامن ذلك مع حدثين إقليميين بارزين أولهما خروج روسيا من سوريا وتحكّم إيران في العمق بالقرار السوري مما يؤشر إلى وجود نية لدى إيران بالحد من القبضة السورية في الداخل اللبناني بهدف التمكن من إحكام قبضتها من خلال حزب الله.
إقصاء كل حلفاء سوريا لم يأت بالمجان إذ تم استبدالهم بمرشحي الثورة الذين شكل فوزهم مفاجأة وصفعة قد لا تزول مفاعيلها قريبا خصوصا لمن راهنوا على إسكات صوت الثوار وإخراجهم بقوة السلاح وبفعل الأزمة الإقتصادية من الشارع. 13 نائبا من عرين ثورة تشرين في قلب البرلمان؟ من كان يتصور ذلك؟ من كان يقول إن 13 مرشحا من التغييرين والمجتمع المدني وثورة تشرين سيدخلون المجلس بعدما كان الرهان على إمكان حصول خرق ما بمقعدين أو ثلاثة على أبعد تقدير سيما أنهم ترشحوا على لوائح مشتتة ومن دون برنامج إنتخابي موحد. النتيجة تستحق فعلا أن ينحني أمامها اللبنانيون لكن!
ما لا يخفى على أحد أن ثوار 17 تشرين يطالبون بإيجاد حل لسلاح “المقاومة” ويقرون بأن الداء الأساسي يكمن في الإحتلال الإيراني من خلال هيمنة سلاح حزب الله.
والسؤال الذي يطرح هل سيتمكن نواب “الثورة” من تشكيل لائحة موحدة والجلوس الى طاولة واحدة لوضع مشاريع موحدة؟ هل سيتوصلون إلى الإتفاق على إسم رئيس جديد لمجلس النواب، هذا إذا اتفقوا على ضرورة عدم تسمية الرئيس نبيه بري، وماذا عن مسألة تشكيل الحكومة؟ حكومة سياسية أم توافقية أم تكنوقراط؟ أكثر من ذلك هل ستوافق كتلة نواب “17 تشرين” على الدخول إلى كتلة حزب معارض وماذا عن القرارات المصيرية التي يفترض أن تكون هناك كتلة متراصة داخل المجلس الجديد مستعدة لمواجهة كتلة الممانعة التي تتلقى أوامرها من مرشدها السيد حسن نصرالله؟ ماذا لو صحت قراءة بعض المحللين بأن المجلس الجديد سيفقد هوية معارضة وموالاة وستكون هناك موالاة متمثلة ببلوك نواب الممانعة في وجه كتل أو بلوكات معارضة صغيرة؟
الصورة شبه معقدة والإستحقاقات مصيرية. فهل سيستغل بلوك الممانعة فرصة تشتت بلوكات المعارضة لإلهاء الرأي العام بالمواضيع والقرارات المالية والمعيشية ووضع التغيير وإزالة هيمنة سلاح حزب الله في الثلاجة؟ قد تكون القرارات التي تعنى بالأزمات المعيشية من الأولويات وقد بدأت معالم الخطة تتبلور مع صدور نتائج الإنتخابات من ارتفاع سعر الدولار والتحليق الجنوني لأسعار المحروقات والتبشير بأزمة رغيف و…الخير لقدام.