ايُّ صورة سياسيّة ستحكم الواقع اللبناني بعد اعلان نتائج الانتخابات.؟
بصرف النظر عمّا ستسفر عنه «التصفية الانتخابيّة النهائية» الأحد المقبل، وعن موقع الأكثرية او الأقلية سواء أكان في الموقع المتوقع سلفاً لفريق 8 آذار وحلفائه، او في موقع خصوم هذا الفريق، فإنّ سؤالاً يفرض نفسه في موازاة ذلك: ايُّ صورة سياسيّة ستحكم الواقع اللبناني بعد اعلان نتائج الانتخابات.. وهل سينعطف المشهد نحو الهدوء السياسي ام انّه سيدخل في دوامة الاشتباك حول مختلف عناوين الانقسام السياسي والحزبي؟
في هذا المجال، يبدي مرجع سياسي ارتياحه البالغ «لانتهاء انتخابات المغتربين، من دون أي عوائق او معطلات او إشكالات كالتي جرى الترويج لها قبلها»، كما عبّر عن مفاجأته بالنسبة العالية لمشاركة المغتربين في هذا الاستحقاق، مشيراً الى انّه كان حتى ما قبل انطلاق انتخابات المغتربين، يخشى من خيبة امل نتيجة ما تمّ ترويجه من قراءات وشائعات بأن تكون هذه الانتخابات دون المستوى المطلوب في هذا الاستحقاق. الّا انّ الوقائع كذّبت هؤلاء بالنسبة العالية من المقترعين». على انّ اللافت للانتباه في كلام المرجع قوله: «انّ انتخابات المغتربين يجب ان تُقرأ جيداً وبتمعنٍ اكبر، وخصوصاً من قِبل كلّ القلقين من هذه الانتخابات او المراهنين عليها بأنّها ستكسر المعادلة النيابية وتحدث تغييرات نوعيّة في الخريطة المجلسية».
واكّد المرجع لـ»الجمهورية»: «أنّ مصلحة البلد تتوفّر في إتمام الاستحقاق الانتخابي، وقد بتنا في المراحل النهائية لهذا الإنجاز الذي يفترض انّه يحقن البلد بشكل عام بحيوية نيابية وسياسية وحكومية جديدة. ومصلحة لبنان تتوفر اكثر عندما تخلع الاطراف المتنافسة جميعها ثوب الانتخابات اعتباراً من اليوم التالي لاستحقاق الاحد، وتطوي صفحة تحضيراتها واستعداداتها الصاخبة وشعاراتها الشعبوية، ومصارعاتها السياسية وغير السياسية التي لم يبق فيها سترٌ الّا وانكشف، وتسلّم بنتائج هذه الانتخابات، وتتعايش مع الأكثرية والأقلية النيابيتين اللتين ستحدّدهما صناديق الاقتراع، وأينما كان موقعهما، وتلتقي على فتح صفحة جديدة عنوانها كيفية ترتيب البيت الداخلي ورفعه على أسس صلبة تمكّنه من الصمود في وجه الأزمة الخانقة التي تهدّد تداعيه على رؤوس ساكنيه، دون تمييز بين رابح في الانتخابات او خاسر فيها».
العقلانية: وصفة سحرية
تحذير المرجع المسؤول من تداعي البيت الداخلي، يتقاطع مع قراءة روحيّة، تأمل في أن يأتي المجلس النيابي الجديد معبّراً عن تطلّعات اللبنانيين، وعن حسن اختيارهم لممثليهم في مجلس النواب».
ويُنقل في هذا السياق عن مرجع روحي قوله: «مشهد المغتربين كان مفرحاً للقلب، ونحن مرتاحون لما بدا انّه تنظيم اتاح للمغتربين أن يمارسوا حقهم في الاقتراع بكل حرّية. ومن هنا، فإنّ دعوتنا متجدّدة للبنانيين في ان يعتبروا يوم الانتخاب في 15 ايار محطة مفصلية ينحازون فيها للبنان وشعبه الموجوع، ويقفون فيها امام مسؤولية حسن الاختيار».
ويضيف المرجع الروحي، بحسب ما يُنقل عنه: «هذا هو المطلوب وليس اكثر من ذلك يوم الانتخاب. وأن نرى لبنان وقد سادته العقلانية التي تشكّل اولى الوصفات العلاجيّة الواجب تجرّعها في مرحلة ما بعد الانتخابات، وخصوصاً من قِبل السياسيين، فمن شأنها أن تشكّل المفتاح السحري لأبواب العلاجات لأزمة لبنان وإنقاذ اللبنانيين، وتسهّل على الجميع الشراكة في حل كلّ التعقيدات مهما كان حجمها».
ويستدرك المرجع فيقول: «الاّ انّ الشرط الأساس لتسود هذه العقلانية هو صفاء النيات، وان يعود الجميع الى هذا الوطن من غربتهم عنه وعن آلام شعبه، وهذا كلام برسم الجميع من دون استثناء، ولكن هل هذا ممكن؟ نحن نصلي لذلك».
عصفورية!
وسألت «الجمهورية» مسؤولاً وسطيّاً معارضاً، عمّا إذا كان يمكن للعقلانية ان تجد لها مكاناً ما بعد الانتخابات، تخفف من خلاله الحدّة القائمة في حلبة الانقسام الداخلي، فسارع الى القول: «لا اعتقد ذلك، لسبب بسيط، وهو أننا نعيش في عالم مجنون، ووسط مجانين وفاشلين، قدّموا مع الأسف نموذجاً هو الأسوأ في التعاطي مع هذا البلد، وقد مرّ لبنان في تجارب قاسية وقاتلة ودفعنا فيها أثماناً باهظة، والشعب اللبناني انتهى، ورغم ذلك لم يتعلّموا من التجارب، ولم يخرج البعض من ذهنية السيطرة والإلغاء والقبض على البلد ومقدراته. فعن أيّة عقلانيّة تتحدث في هذه العصفوريّة؟».
وعمّا إذا كان يؤيّد ما يتردّد في بعض الصّالونات السياسيّة عن توجّه لتشكيل حكومة وحدة وطنيّة بعد الانتخابات، اكتفى بالقول: «قبل الحكي عن الحكومة، خلينا نخلّص الانتخابات .. دخيلك بلا هالعصفوريّة كلّها».
تفاهمات أم توترات؟
بدورها، اكّدت مصادر حكومية لـ»الجمهورية»، انّ مرحلة ما بعد الانتخابات هي الاستحقاقات الكبرى بالنسبة الى لبنان، وخصوصاً ما يتعلق بالتصدّي وتجاوز التحدّيات الأساسية والعاجلة، وأهمها ما خصّ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وإكمال خريطة طريق الخروج من الأزمة ارتكازاً على خطة التعافي. وهذا يضع كل الاطراف امام مسؤولية الانتقال من مرحلة الصدام التي عانينا منها في فترة ما قبل الانتخابات، الى مرحلة الوئام والشراكة في تحمّل المسؤوليّة ووضع الأزمة على سكة الخروج منها. واعتقد انّ جميع الاطراف باتت تستشعر بالخطر، والواقع الذي نعيشه، بات يؤكّد أن لا سبيل امام هؤلاء الاطراف سوى ان يتحمّلوا المسؤولية».
العدوانية هي السائدة
الاّ أنّ مصادر معارضة للطبقة الحاكمة بكل تلاوينها، ترسم صورة قاتمة لمستقبل الوضع في لبنان، محمّلة بالدرجة الاولى مسؤولية إبقاء الوضع اللبناني في دائرة التخلّف، الى القانون الانتخابي الحالي الذي يمنع التقدّم ولو قيد أنملة نحو التطور والتغيير المنشود. وقالت لـ»الجمهورية»: «أي انعطافة تنقل لبنان من حلبة التوترات الى مدار التفاهمات، هي حلم صعب المنال، في واقع سياسي مَرَضيّ، ينخره انقسام وافتراق في الرؤى والأهداف بين مكونات سياسية وحزبية عدوانية تجاه بعضها البعض، وتعدّد الأجندات والارتباطات العابرة للحدود. ما يعني والحال هذه، انّ الفرضية الأقرب الى الواقع، أنّه مع مكونات أسرى لأجنداتها ولعناوينها وتوجّهاتها الصدامية، لا مكان للعقلانيّة والنيات الصافية، سواء في نظرتها الرافضة لبعضها البعض، او في تعاطيها مع بعضها البعض، او في مقاربتها للوضع اللبناني واسباب انهياره، بل في ظل هذا الانقسام، ستبقى العدوانية المتبادلة والنيات المبيّتة هي الحاكمة في ما بينها، ولهذه العدوانية ثمن وحيد هو خراب البلد أكثر».