أيّ «رمال متحركة» أرجأت زيارة البابا لبيروت والمنطقة؟ لبنان عيْنه على انتخابات الأحد و«قلبه» على… ما بعدها

أيّ «رمال متحركة» أرجأت زيارة البابا لبيروت والمنطقة؟ لبنان عيْنه على انتخابات الأحد و«قلبه» على… ما بعدها

المصدر: الراي الكويتية
10 ايار 2022

لم تكد الستارةُ أن تُسدل على انتخابات المغتربين في 58 دولة حتى غرقت بيروت في عملية محاكاةٍ مزدوجة، لمسارِ الاستحقاق النيابي في «جولته الأم» الأحد المقبل (للمقيمين) والتأثيرات المرتقبة لنحو 135 ألف صوت اقترعوا في الانتشار على خريطة المقاعد الـ 128 في البرلمان، ولمرحلة ما بعد 15 مايو و«حقل أفخاخها» السياسي والدستوري المتشابك مع «بركان» الانهيار الكبير الذي تُسابق محاولاتُ إخماده الشائكة مؤشراتٍ تشي باشتداد «حممه» في الصيف اللاهب.

وشخصت عيون بيروت، أمس، على عمليات «بوانتاج» انهمكت بها الماكينات الانتخابية في محاولةٍ لتفكيك «شيفرة» أرقام اقتراع المغتربين التي ناهزت 60 في المئة في جولتيْ الجمعة والأحد كحصيلة غير نهائية وتَوَزُّعها الطائفي، واستطراداً قياس جغرافية تأثيرها ومدى قدرتها على أن تشكّل رافعةً للوائح في ذاتها ومدّها بـ«مقوّيات» ترفع من حواصلها ولو عبر الكسر الأعلى، لاسيما وسط إشاراتٍ إلى أن مزاج التصويت بدا يصبّ أكثر لمصلحة النَفَس التغييري المستمدّ من روح انتفاضة 17 أكتوبر 2019 بوجه «المنظومة الحاكمة»، كما لأحزاب مُعارِضة لعهد الرئيس ميشال عون و«حزب الله».

يون سوك-يول يؤدّي اليمين الدستورية رئيساً لكوريا الجنوبية
منذ 20 دقيقة

مقتل أكثر من 40 نزيلا إثر أعمال شغب داخل سجن في الإكوادور
منذ 41 دقيقة
وإذ توالى وصول صناديق الاقتراع إلى بيروت لتُحفَظ في مصرف لبنان ويَجْري فرزُها مع سائر أصوات المقيمين بحسب الدوائر الانتخابية، فإن الاستعدادات تواصلت لإكمال الجهوزية الإدارية واللوجستية لانتخابات 15 الجاري والتي طبعها طَمْأنة وزير الداخلية بسام مولوي إلى أنه «تم وضع خطة أمنية بالتعاون مع جميع الأجهزة العسكرية»، كاشفاً عن «تقنية جديدة للفرز تعتمد تقنيات إلكترونية جديدة تُستَخدم للمرة الأولى في الأحد المقبل».

وفيما خَيَّم على مختلف القوى السياسية والحزبية جوّ من الرصد الثقيل لِما إذا كانت «هبّة الاغتراب» للتصويت (وبأرقام ناهزت 70 في المئة في الإمارات وفرنسا) سيكون لها «تأثير الدومينو» على إقبال الناخبين في لبنان فيُباغِت هؤلاء كل عمليات المحاكاة المُنجَزة وتُفتح النتائج على شتى الاحتمالات والمفاجآت، فإن الأيام الفاصلة عن «الأحد الكبير» بدت محكومةً بترقُّب على خطين متوازييْن:

• الأول آخِر «أسلحة الاحتياط» التي ستستخدمها الأطراف التي ستخوض المكاسرة الانتخابية، بهدف استنهاض قواعدها الشعبية وشدّ العصَب وسدّ أيّ ثغر في حساباتها قد تكون أطلت من صناديق الاغتراب، في ظل مؤشرات لتصاعُد حمى التجييش في الربع الساعة الأخير الفاصل عن الأحد وعن الصمت الانتخابي (السبت)، وهو ما سيُترجم بإطلالات متوالية لقادة أحزاب، بعضهم سيظهر على مدار أكثر من يوم مثل الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، ويُرجّح أنُ تتحوّل منصات لعملية «تذخير» شعبي من «العيار الثقيل» الذي يعكس «مصيرية» المعارك التي تنخرط فيها غالبية الأطراف، ولها بالتأكيد امتداداتٌ خارجية.

• والثاني اليوم التالي للانتخابات النيابية والذي بدأ يُثير غباراً كثيفاً في الكواليس السياسية والديبلوماسية، وسط سيناريوات قاتمة لِما بعده ترتكز على مهل مفصلية تبدأ بتحوّل الحكومة إلى تصريف الأعمال رسمياً في 22 الجاري غداة انتهاء ولاية البرلمان، و 31 أغسطس، تاريخ دخول مجلس النواب حال انعقاد دائم لانتخاب رئيس للجمهورية، و31 أكتوبر موعد انتهاء ولاية الرئيس عون.

ولم يكن عابراً في الطريق إلى فتْح صناديق الاقتراع يوم الأحد، أن يرتسم في بيروت شبح مرحلة بالغة القتامة ستدشّنها الانتخابات وجرى تظهيرها في تقارير ومناخاتٍ ساهمت في تعزيز وطأتها المخيفة المعلوماتُ عن تأجيل زيارة البابا فرنسيس التي كانت مقرَّرة للبنان في 12 و 13 يونيو المقبل لأسباب قيل إنها صحية تتصل بصعوبة في المشي لاحت بقوة في الأيام الأخيرة لدى رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم، الذي نقلت أيضاً صحيفة إسرائيلية في الجمعة الماضية أن خطته للتوجه من لبنان إلى القدس يوم 14 يونيو قد أُلغيت، وسط إبلاغ مصدرين لـ «رويترز» أن «رحلة البابا لبيروت ربما تتم بعد الصيف»، من دون أن تُسْقِط بعض الأوساط وجود خلفيات سياسية وراء هذا الإرجاء تتصل بالرمال المتحرّكة في المنطقة، من الأزمة في «بلاد الأرز» إلى الاضطرابات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ولم تَعُد خافية «الحمولةُ الزائدة» من الأزمات التي تكمُن للبنان «ما بعد 15 مايو» والتي تبدأ من نتائج الانتخابات، ولا تنتهي بالاستحقاق الرئاسي، مروراً بتأليف الحكومة الجديدة، وكلها محطات مفصلية تشكل المسرحَ السياسي لمرحلةٍ مدجَّجة بـ«عبوات» الانهيار الشامل الذي كان رُحِّل مسارُ انتشال البلاد منه على حمّالة اتفاق مع صندوق النقد الدولي ريثما تمرّ «العاصفة النيابية»، ويُخشى الآن أن تُرمى كرته إلى عهد جديد، فيما لبنان وواقعه المالي والاقتصادي والمعيشي يكاد أن يتحوّل… رماداً.

وفي هذا الإطار رأت أوساط واسعة الاطلاع أن «سلسلة الأزمات» التي يَبرز خوفٌ كبير من أن تتناسل ابتداءً من 16 الجاري تنطلق مما ستفرزه صناديق الاقتراع، فإذا كرّستْ الانتخابات إمساك تحالف «حزب الله» – التيار الوطني الحر بالغالبية البرلمانية كما هو الحال منذ 2018 فإن الرصد سيكون لوقْع هذا الأمر خارجياً وتداعياته تالياً على دينامية الدعم الدولي الذي لاح «بالأحرف الأولى» ومن بوابة «إنسانية» كمرحلة أولى، بانتظارِ انقشاع الرؤية انتخابياً بمعناها السياسي المتصل بـ«أصل» الأزمة في لبنان وأزمة الخارج معه والتي تنطلق من انتقاله إلى المحور الإيراني.

أما في حال حملت الانتخابات رياحاً تغييرية على صعيد الأكثرية، ولو من دون ارتسام غالبية متماسكة بل أكثرياتٌ متفرّقة من قوى سيادية وتغييرية، فإن ذلك يطرح علامات استفهام حول مدى تسليم «حزب الله» و«التيار الحر» بنتائج سبق أن أجريا «ربط نزاع» مبكر معها، سواء بكلام عن «تزوير» بالمال الانتخابي أو تقديم شكوى ضد أحزاب سيادية بدعوى تجاوز السقف الانتخابي، وهو ما يُخشى أن يضع لبنان أمام «السيناريو العراقي»، وتالياً عرقلة مجمل المسار السياسي والدستوري الذي يترتّب على حصول الاستحقاق النيابي بدءاً من تشكيل حكومة «العمر القصير» المفترض والذي ينتهي مع انتخاب رئيس للجمهورية إذ تُعتبر حينها مستقيلة حُكْماً.

وإذ يشكّل واقع «الحكومة الانتقالية» نظرياً عنصراً يُفترض أن يسرّع مسار التأليف ويختصر من «المطاحنات» على الحصص والأحجام وطبيعة التشكيلة لمصلحة إكمال ما بدأه الرئيس نجيب ميقاتي لجهة تخفيف سرعة الانحدار في جهنّم وتأخير الارتطام المميت وذلك عبر إتمام متطلبات الانتقال إلى ضفة الاتفاق النهائي مع صندوق النقد، فإن وضعية «حكومة ما بين الانتخابين» (النيابي والرئاسي) باتت في ذاتها بمثابة «قنبلة» قابلة للانفجار بمجمل المسار الحكومي بعد 22 مايو واستطراداً بالبلاد ككل.

وترى الأوساط نفسها أن وقوع عملية تأليف الحكومة على مرمى 3 أشهر من بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية – وهو ما يصعب تَوقُّع أن يحصل في موعده الدستوري – تجعلها تُدار بحسابات «تحصين» المواقع وتحسين حظوظ الفوز في السباق الرئاسي لاسيما من رئيس «التيار الحر» جبران باسيل (صهر الرئيس عون)، سواء اقتضى ذلك الإفراج عن تشكيلة بتوازناتٍ محسوبة لإدارة مرحلة الشغور الرئاسي بأريحية سياسية، أو على العكس إطالة عمر حكومة تصريف الأعمال مع ما سيعنيه الوصول لموعد الانتخابات الرئاسية دون حكومة مكتملة المواصفات من دخول لبنان مرحلة خطرة في ظل «الفتاوى» الدستورية بعدم جواز انتقال صلاحيات الرئاسة الأولى لحكومة تصريف أعمال.

وهذا كله، في رأي الأوساط نفسها، من دون الحديث عن هوية الشخصية التي ستُكلَّف تشكيل الحكومة، ولو لم تنجح في التأليف، باعتبار أن هذا الأمر يبقى رهناً في جانب منه بما ستظهّره الانتخابات على الساحة السنية، وهل ستفرز كتلة وازنة متفلّتة من عباءة «حزب الله» وحلفائه، لاسيما أن انكفاء زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري عن العمل السياسي والاستحقاق النيابي تحوّل بمثابة استفتاء على زعامته ولو من باب حجم المقاطعة السنية.

ولا تقلّ أهمية في سياق متصل، ارتدادات اعتكاف الحريري على واقع نادي رؤساء الحكومة السابقين الذي شكّل المظلة التي غطّت تكليف ميقاتي تأليف الحكومة الحالية بعد دفْع زعيم «المستقبل» للاعتذار تحت وطأة عرقلة مهمته من رئيس الجمهورية وفريقه خصوصاً، علماً أن مناخات متضاربة تسود حيال موقف ميقاتي من ترؤسه حكومة ما بعد الانتخابات وسط تسريبات عن أنه غير متحمّس لذلك، في مقابل أجواء تتحدّث عن أنه منذ تسميته على رأس هذه الحكومة تعاطى على أساس أنه سيكمل ما بدأه عقب الاستحقاق النيابي، وهو ما بدا أنه سيصطدم ومعه مجمل الملف الحكومي المقبل بما نُقل عن أن باسيل لا يريد ميقاتي، الذي جاهر بدوره قبل أيام أنه إذا خُيِّر في الانتخابات الرئاسية بين رئيس «التيار الحر» وزعيم «المردة» سليمان فرنجية فهل سيختار الأخير؟

وترافَقَ موقف ميقاتي مع إقراره بأن الاستحقاق الرئاسي لن يمرّ بسهولة، محذراً من أنه إذا تعرقلت الأمور «حكومياً ورئاسياً فإنّ حل الأزمة قد يستلزم عقد مؤتمر دولي أكبر من الدوحة وأقلّ من الطائف».