انتفاضة الاغتراب: عودة الروح إلى ثورة التغيير
عبَّرت الجولتان الانتخابيتان للمغتربين في الدول العربية (يوم الجمعة 6 أيار) وقارات العالم من أوروبا إلى افريقيا واسترالياً والاميركيتين (يوم أمس الأحد 8 أيار) عن رهان لبنان، على اختبار صناديق الاقتراع في عملية تغيير الواقع المأساوي الراهن، من الانهيار المالي والفساد السياسي والإداري، إلى انعدام فرص العمل، وضيق حال الحياة الكريمة للمواطنين، الذين يتكلون على مساعدات الاقارب والأشقاء والأهل لتجاوز المحن اليومية في لقمة العيش والصحة والاستقرار والتعليم، وتوفير الكهرباء والماء، وغيرها من ضرورات الحياة اليومية.
هكذا، رمى الاغتراب اللبناني بثقله في صناديق الاقتراع، في محاولة لانتشال الوضع من براثن المأساة المفتوحة منذ 17ت1 (2019). فكان إقبال منقطع النظير بلغ في دولة الإمارات العربية المتحدة 70٪ أو يزيد. واصطف اللبنانيون طوابير انتظار للإدلاء بأصواتهم، بروح رياضية تنافسية، مع تسجيل إشكالات و«اصوات مرتفعة» بين ممثلي التيارات السياسية والحزبية المتنافسة، بما يُشبه عودة الروح إلى ثورة التغيير.
ومهما يكن من أمر، فإن يومي 6 و8 آذار، 2022، سيشهدان على تجدد الرهان اللبناني على اللعبة الديمقراطية، في احداث تغيير باتجاه إعادة بناء دولة تجمع ابناءها تحت علم واحد، وبجيش واحد، وحكومة واحدة ودستور واحد لأرض غير قابلة للانقسام أو التجزئة أو الاشغال من قبل غير اللبنانيين، وشبه كثيرون ما جرى من إقبال من قبل المغتربين، وقسم كبير منهم، هجم بعد احداث 17 ت1 (2019) بالغ كان أشبه بانتفاضة إغترابية باتجاه التغيير الوطني.
ومن قبرص حيث بلغت نسبة الاقتراع 79٪ إلى دولة الإمارات حيث وصلت نسبة الاقتراع إلى 69٪ في دبي 66٪ في أبوظبي، وفي نيجيريا بلغت نسبة الاقتراع 50،38٪، وفي لندن 50٪، وفي فرنسا 52،3٪، وألمانيا 47٪، وفي الكونغو 61٪ وسيراليون 51٪، وفي ساحل 46٪.
ومن شأن هذه المشاركة، ان تترك تأثيرات على النتائج في الداخل، لجهة رفع الحاصل وتغيير وجهة النتائج، ومن شأن هذه المشاركة ايضا حثّ الناخب المقيم ان يحذو حذو الناخب المغترب.
دبي: علامة فارقة
ومن العلامات الفارقة في الانتخابات الإقبال الكثيف الذي فاق التوقعات في دبي، إذ أعلن القنصل العام عساف ضومط ان العملية ناجحة، والأرقام وصلت إلى 60٪، متوقعا ان تصل نسبة الاقتراع إلى 65٪ أو 70٪.
وقالت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» أن مجلس الوزراء ينصرف في جلسته المقبلة إلى تقييم انتخابات المغتربين على أن يخصص قسما من مناقشاتها لمواكبة اليوم الانتخابي يوم الأحد المقبل. وأشارت المصادر إلى أن الجلسة التي تعقد في قصر بعبدا ستشهد كلاما مفصلا من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزيري الداخلية والخارجية حول الاستحقاق الانتخابي وما سجل من نسب تصويت ومن بعض التفاصيل.
وأضافت المصادر: الاختبار الأكبر هو في انتخابات المقيمين في المناطق اللبنانية وتمريرها بشكل سليم ومن دون إشكالات لا سيما أن جميع المرشحين متواجدون في لبنان.
يُشار إلى أن الحكومة ستعقد جلستين اخيرتين يومي الخميس في الثاني عشر والتاسع عشر من الشهر الجاري، قبل ان تدخل حكماً مرحلة تصريف الاعمال مع انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي وتسلم المجلس الجديد مهامه في 22 ايار، بحيث تجري عملية انتخاب رئيس للمجلس ونائب رئيس وهيئة المكتب، قبل ان تبدأ الاستشارات الملزمة لتسمية رئيس حكومة ومن ثم الاستشارات النيابية للرئيس المكلف لتشكيل الحكومة.
وفي السياسة ايضاً، يوجه الرئيس نبيه بري، عند الساعة السادسة من مساء غدٍ الثلاثاء في 10 أيار الحالي كلمة الى اللبنانيين، يتطرق فيها الى مختلف العناوين والمستجدات، لا سيما الإستحقاق الإنتخابي. كما يتحدث الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ايام الثلاثاء والاربعاء والخميس ليتوجه الى الناخبين في بيروت وبعبدا وعدد من الدوائر الانتخابية في الجنوب والبقاع.
و بالرغم من كل العراقيل والظروف الصعبة المالية والتقنية واللوجستية ومن طبيعة قانون الانتخاب المعقد والهجين، وبرغم الضجيج السياسي الانتخابي غير المبرر، أنجزت وزارتا الخارجية والداخلية انتخابات دول الاغتراب يومي الجمعة (في 9 دول عربية وايران)، والاحد في الامارات والمغرب ودول العالم في القارات الخمس، بكثير من الحِرَفية والشفافية، وبقدر قليل جداً من الملاحظات والمخالفات والشكاوى.
ومن ابرز المخالفات والشكاوى التي سُجلت كان خرق الصمت الانتخابي عشية الانتخابات بمواقف سياسية وترويجية لكل من القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب، لكنها ظلت ضمن السقف المعقول والمقبول، اما باقي الملاحظات فتركزت على امرين اساسيين: غياب اسماء الكثير من الناخبين عن لوائح الشطب حيث تبين انهم لم ينجزوا التسجيل الالكتروني بالكامل وظلت بعض المعلومات ناقصة. وزحمة الناخبين امام مراكز الاقتراع في بعض الدول نتيجة الاقبال الكثيف وضيق بعض مراكز الاقتراع كما حصل في دبي حيث تم تسجيل 19900 ناخب. وخمسة الاف ناخب في ابوظبي. كما سجل امس في دبي حضور عدد من المرشحين الى مركز الاقتراع وتحدثوا الى الناخبين. (هادي ابو الحسن وجورج عقيص ومارك ضو).
ومع ان بعض القوى السياسية حاول التأثير على الناخبين في مركز الاقتراع بإقامة الخيام الانتخابية واطلاق الشعارات الحزبية والانتخابية وبث الكلمات، إلّا انه جرى منعها وسحبها الى اماكن بعيدة عن الاقلام. كما ان المفارقة في انتخابات اليوم الاول للمغتربين الجمعة كانت في تدني نسبة الاقتراع عن المأمول او المتوقع، بحيث بلغت حسب معلومات وزير الخارجية 59,49 بزيادة بسيطة عن انتخابات 2018 التي قاربت 56 في المئة، مع ان عدد المسجلين وقتها كان اقل بكثير عن عددهم في انتخابات 2022. وافادت معلومات مراسلي وسائل الاعلام عن تدني نسبة التصويت السنّي بشكل خاص في دوائر بيروت الثانية وطرابلس وصيدا، اي حيث القوة الناخبة المؤثرة لتيار المستقبل.
وبرغم تسجيل بعض العثرات البسيطة خلال الانتخابات التي جرى حلها فوراً، مثل تعطل الانترنت لربع ساعة في مركز المراقبة وغرفة العمليات في وزارة الخارجية يوم الجمعة، فإن العملية الانتخابية سارت من دون اي عقبات او مشكلات او مخالفات تذكر، نتيجة حسن التنظيم وجهود البعثات الدبلوماسية اللبنانية ونتيجة تعاون الدول الشقيقة وتقديمها كل التسهيلات اللازمة. عدا تطوع طلاب من الجامعة اللبنانية لمراقبة العملية الانتخابية.
وتوزع 598 قلم اقتراع على الدول التي إقترع فيها المغتربون يوم الجمعة، وجرى نقل مباشر من داخل الأقلام في كل الدول الى غرفة عمليات وزارة الخارجية. وقد وصلت الى بيروت صناديق اقتراع المغتربين التي جرت يوم الجمعة في 10 دول هي: مصر والكويت والسعودية وسلطنة عمان وايران وسوريا والاردن وقطر والبحرين والعراق، فسلم الدبلوماسيون الحقائب المتضمنة اصوات الناخبين المغتربين الى مسؤولين في وزارة الداخلية حيث تم تسطير محاضر بها، قبل ان تتسلمها عناصر من قوى الأمن الداخلي التي نقلتها بدورها الى مصرف لبنان.
وكان من المتوقع ان ترتفع النسبة في انتخابات يوم امس الاحد والتي ستُعرف بدقة صباح اليوم الاثنين، نظرا لكثافة الاقبال في 48 دولة من دول العالم من الاميركيتين الى اوستراليا واوروبا وافريقيا ودولة الامارات العربية المتحدة والمغرب وتركيا، وحيث بلغ عدد الناخبين المسجلين 194348 ناخباً. وافيد مساء ان نسبة الاقتراع في أبو ظبي بلغت 70.43%. فيما اعلن القنصل اللبناني في دبي تمديد ساعات الاقتراع في حال إستمرار توافد الناخبين بأعداد كبيرة.
ولوحظ ان اول دولة اقفلت ابواب اقلام الاقتراع امس، كانت اوستراليا حيث فتحتها فجر الاحد بسبب فارق التوقيت، وبلغت نسبة التصويت قرابة 55 في المئة. بينما فتحت اقلام الاقتراع عند الثالثة من بعد الظهر بتوقيت بيروت في ثلاث دول في أميركا اللاتينية وأربع ولايات أميركية، وصندوق اقتراع واحد في مركز اقتراع واحد في كولومبيا واستمر الاقتراع فيها حتى فجر اليوم بسبب فارق التوقيت.
واظهرت وقائع يوم المغتربين ومواقف الناخبين توجهاً للتصويت لمصلحة قوى التغيير. وانتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر إشكالًا بين مقترع وآخر مؤيّد للتيار الوطني الحر خلال العملية الانتخابية في فرنسا، وفيديو آخر لإشكال في برلين بين مندوب لحركة «امل» ومقترع. وإشكالاً بين عدد من مناصري «التيار الوطني الحر» وناشطين، أمام مقر السفارة اللبنانية في لندن.
وشكا الناخبون من بطء العملية الانتخابية نتيجة كثافة المقترعين لا سيما في اوستراليا وفرنسا ودبي، بينما لوحظ عدم كثافة الاقبال نهاراً في مراكز اقتراع الدول الافريقية حيث تتواجد الجالية الشيعية بكثافة (ساحل العاج 6 الاف ناخب) برغم النشاط البارز امس لماكينة حركة «امل». لكنه ازداد في ساعات بعد الظهر والمساء. وكذلك الحال في المانيا حيث يوجد 16 الف ناخب مسجلاً بينهم نحو عشرة الاف شيعي.