السعودية لم تطلب ليتجاوب الحريري
مع بدء العد العكسي لعملية الاقتراع في الانتخابات النيابية في لبنان، وتوجيه مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان دعوات متكررة للمشاركة في العملية الانتخابية علما انه ليس وحده في توجيه دعوات للمشاركة الكثيفة ويشاركه ايضا زعماء الطوائف الروحية، استحضر البعض الواقع السني من باب احتدام الموقف بين اتجاهين: أحدهما يدفع بقوة في اتجاه المشاركة واخر صامت لا يظهر معنيا ويتمثل في موقف تيار المستقبل الذي البس زعيمه دعوة إلى مقاطعة السنة الانتخابات. الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة الذي يملك موقفا متميزا عن الرئيس سعد الحريري ولم يخف تمايزه برعاية تأليف لوائح انتخابية والدعوة إلى المشاركة تفاديا لإشغال الساحة السنية من الغير، يبرز في المقابل النقطة المتمثلة في تفسير لموقف الحريري ابعد مما حمله موقفه الممتنع عن المشاركة. لكن كثرا يبنون على واقع التراشق الحاصل احيانا بين تيار المستقبل واخرين يصوبون عليه ، وعلى معطيات تفيد بان المملكة العربية السعودية داعمة شفهيا لمبدأ عدم المقاطعة والمشاركة الكثيفة في الانتخابات
وساهم مقال في صحيفة عكاظ السعودية الاسبوع الماضي موجها انتقادات قاسية للغاية للحريري في تسعير الاعتقاد بان المملكة ترغب في ان يدعم الحريري المشاركة في الانتخابات علنا ويوجه دعوات صريحة في هذا الاتجاه . وذهب البعض إلى الترويج لفكرة ان الحريري سيعود قبل ايام من موعد الانتخابات المحلية في ١٥ ايار ويوجه هذه الدعوة على نحو مباشر. ولكن المعطيات المتوافرة لدى مطلعين لا ترى اساسا لهذه التكهنات علما ان لا شيء يمنع دون تغير الامور بين لحظة واخرى تبعا لتطورات او رؤية معينة . ولكن حتى الامس بالذات لم تكن عودة الحريري قبل الانتخابات واردة ولا مؤشرات توحي بذلك فيما انه وعلى غير ما سرى في بعض الاوساط، فان المسؤولين في المملكة لم يطلبوا او يتمنوا على الحريري لا العودة إلى لبنان ولا توجيه دعوة إلى المستقبليين او إلى السنة للمشاركة في الانتخابات. وتاليا فان التكهنات عن رفض طلب المسؤولين السعوديين ليس في محله ما دام هؤلاء لم يطلبوا شيئا في هذا الإطار لكي يتم تلبية طلبهم او رفضه
ثمة جوانب عدة من الازمة التي احدثتها عدم مشاركة الحريري يربطها البعض بتعدد المقاربات الخليجية بالذات بين تلك المعتمدة من المملكة السعودية في شكل خاص والتي على ضوئها عاد السفير السعودي إلى بيروت لمتابعة مهامه وكذلك الامر بالنسبة إلى سفراء خليجيين اخرين كالسفير الكويتي وسفير قطر وسفير اليمن والمقاربة المعتمدة من الامارات العربية التي يقيم فيها الحريري راهنا فيما ان السفير الاماراتي لم يعد بعد إلى بيروت لاستئناف مهامه بعد القطيعة الديبلوماسية الخليجية مع لبنان. وجانب اخر يتصل بواقع ان هناك من يورط السعودية بدعم سياسي في اتجاهات معينة على الساحة السنية فيما ان الامر لا يبدو واضحا او ملموسا حتى
اذ ان الدعم لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي والانفتاح عليه لم يتبلور قبل موعد الانتخابات ، علما انه ليس مرشحا بل يدعم لائحة في طرابلس فحسب، باستقباله في المملكة فيما ان اي جولة خليجية له جرى كثيرا الحديث عنها ستظهر اشكالية عدم شمولها المملكة او استقباله من الرياض تماما كما برز ذلك في اللقاءات الديبلوماسية الكثيرة التي عقدها ميقاتي على هامش القمم الخارجية التي شارك فيها من دون ان تشمل مسؤولين او ديبلوماسيين سعوديين علما ان هذه القمم حصلت في غالبيتها ابان القطيعة الديبلوماسية مع لبنان على اثر الازمة التي اثارها الوزير السابق جورج قرداحي. وهذا يعود إلى المقاربة السعودية ككل التي باتت مختلفة ازاء لبنان ولم تعد كالسابق بغض النظر عن التجاوب مع الدعوات لا سيما الفرنسية منها من اجل عدم ترك لبنان او مغادرته من اجل عدم الافساح في المجال لان يشغل اخرون الفراغ الخليجي العربي المطلوب في ظل واقع ان لبنان لا يمكن ان يكون بعيدا عن الدول الخليجية ولا هي يمكنها ان تتخلى عنه كذلك. فيما ان الجانب المتصل بواقع الاعتقاد بدفع افرقاء مسيحيين لان يلعبوا دورا محوريا واساسيا لدى الطائفة السنية يشكل لدى غالبية سنية بعضها يظهر إلى العلن وبعضها لا يظهر عن رد فعل غاضب وغير مقبول على غرار ما تم تظهيره في بعض المناطق كما هي الحال في البقاع الغربي على سبيل المثال من دون القدرة على دحض وجود اتجاهات عميقة على هذا المستوى
لا يمكن ان ينكر أحد ان الفراغ الذي تركه الحريري راهنا بابتعاده عن المشاركة، خلف ارباكا كبيرا يسعى كثر اما إلى لملمة تداعياته او الحد من الخسائر المحتملة في الساحة السنية في شكل خاص والوطنية نتيجة لذلك او للاستفادة منه واقتطاع حصة من الساحة السنية. فالانتخابات من شأنها تظهير ذلك في شكل قوي علما ان البعض يعمل على تظهير الازمة السنية كأنها قد تكون خسارة للمملكة في حال لم يستجب السنة بكثافة إلى الاقتراع في مقابل تظهير عمق الدعم للحريري فيما إذا كانت نسبة الاقتراع ضئيلة وذلك من دون الاخذ في الاعتبار عوامل الرفض القوية لدى السنة كما لدى مختلف الطوائف للقوى السياسية غير الراغبة في التنازل عن مصالحها من اجل اصلاح البلد وغير راغبة في افساح المجال امام الاخرين للإصلاح ايضا. ولكن المخاوف أكبر بالنسبة إلى البعض من المرحلة التالية ان على صعيد تأليف الحكومة التي قد يستعان إلى رئاستها بمن يعتقد البعض انه يملك القدرة او الحصة التي تسمح له بذلك لا سيما في ظل الشروط المستحيلة التي لن يقبل بها ميقاتي او من يماثله لدى الطائفة السنية. في اي حال فان تسليط الضوء على الساحة السنية هو ايضا لحجب الاضواء عن الثغر الكبيرة في الساحات الاخرى بما فيها عدم حصول انتخابات في مناطق الثنائي الشيعي