من أقنع ميقاتي بالإنسحاب من الإتفاق في اللحظات الأخيرة؟
بنتيجة تطورات اليومين الماضيين خرج رئيس الحكومة نجيب ميقاتي منتصراً. عرف كيف يقلب الطاولة بوجه من أعد اتفاقاً اساسه العودة الى طاولة مجلس الوزراء بما يحفظ وجه الثنائي ويلبي رغبة رئيس الجمهورية. بزيارته الى عين التينة اظهر ميقاتي نفسه كالرجل المخدوع الذي جرى كل شيء بعيداً عنه والمتفاجئ بما تناهى الى مسامعه عن الاتفاق بين الثنائي و”التيار الوطني الحر”، وانه لم يسبق وان فاتحه اي طرف بالامر ما أثار غضبه. خرج من عين التينة اتصل برئيس الحكومة السابق سعد الحريري ثم بالرئيس فؤاد السنيورة ولم يستثن من مروحة اتصالاته السفيرة الاميركية دوروثي شيا. اعترض على ما حصل وقال انه لا يقبل بمثل هذا الاتفاق من دون الوقوف على رأيه. تعاطيه فاجأ الفريق الآخر اي عون والثنائي خصوصاً وان رئيس الحكومة وفق المعلومات كان في جو المباحثات التي حصلت، لا بل كان جزءاً منها فما عدا ما بدا؟ عرف ميقاتي ان يستثمر في ما حصل على الساحة السنية، ظهر رئيساً قوياً حريصاً على صلاحية السلطة التنفيذية ليقول انه تفوق على الحريري الذي اعطى حتى صار خارج اللعبة ولم يجد ناصراً له ولا معيلاً.
وأراد أن يعزز حضوره سنياً وهو يحاول أن يحفر موقفه وسط الفراغ القاتل الذي تعانيه الساحة السنية وهذا هو هدفه من الاساس، تخلص من عودة لا يريدها الى طاولة مجلس الوزراء ومناقشته في كل كبيرة وصغيرة، خصوصاً وان المطلوب من الجلسات المقبلة للحكومة البت بملفات صعبة أولها والأهم تحديد مصير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والتعيينات القضائية وأمور أخرى. في التحليل ان ميقاتي شعر بحمل كبير فوق اكتافه وهو قال لبري ان لا علم له بالاتفاق التسوية، فقال له بري هي فرصتنا الاخيرة لفتح صفحة جديدة ليكون جواب ميقاتي ان ذلك غير ممكن، لا سيما في الشق المتعلق بمجلس القضاء الاعلى ورئيسه. تعاطي ميقاتي عزز شكوك الشركاء في الحل ان رئيس الحكومة تلقى اتصالاً من الخارج نصحه بالانسحاب من التوافق التسوية ما تسبب بغضب الثنائي. لكن بري، وحرصاً منه على تهدئة الاوضاع، أرسل موفداً الى ميقاتي بعد ساعات في سبيل تطرية الاجواء المتشنجة وأعاد التأكيد على علاقته الممتازة مع رئيس الحكومة، نافياً اي تشنج بين الرئاستين، خصوصاً بعد البيان الذي اصدره رئيس الحكومة مؤكداً استمراره في تولي مسؤولياته.
أما من ناحية “حزب الله” الذي غاب عن السمع، فلم يكن حكماً في افضل اوضاعه بعد فشل جديد على هذا الصعيد يضاف الى سابق مساعيه، وبعد قرار “اللاقرار” من الدستوري وتحميله وبري مسؤولية ما حصل. ما سينذر حكماً بتطور دراماتيكي للعلاقة بينه وبين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ورئيس الجمهورية، الذي يعتبر ان الحفاظ على صلاحياته ضمن المادة 57 من الدستور (الغالبية المطلقة من مجموع الاعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً) التي هي الحصان الرابح الذي لم يتبقَّ له غيره، فكيف اذا كان “حزب الله” يتحمل مسؤولية النيل من هذه الصلاحية؟
بخلاصة تطورات ما بعد قرار المجلس الدستوري فان الجميع ارتطم بحائط مسدود، تدهورت العلاقة بين الثنائي وعون وخلفه “التيار”، لا سيما بعد قول باسيل ان طرفاً اتصل به طالباً اليه المقايضة بين قرار الدستوري والجلسة النيابية، فقال له: “بيدبر الله”، ملمحاً بذلك الى مرجعية نيابية وحديثه عن اتفاق رباعي جديد في مواجهة رئيس الجمهورية، وكأنه يتهم حلفاءه قبل غيرهم بالانقلاب على عون وهذا ستكون له ترتيباته المختلفة على مستوى العلاقة وعلى مستوى الحكومة، لكن باسيل قال انه لا يتخذ قراراته على “الحامي” مفسحاً المجال حتى بداية العام المقبل لتصحيح الخطأ.
وكان باسيل استبق قرار الدستوري بتحذير “حزب الله” من مغبة النيل من صلاحيات رئيس الجمهورية، وان “التيار” لم يناضل على امتداد سنواته الماضية في سبيل استرجاع هذه الصلاحيات لتعيدوا بضربة قاضية فتح بابها مجدداً. يعني “لاقرار الدستوري” بالنسبة لـ”التيار” ان احتساب الاصوات بالطريقة التي حصلت خلال الجلسة النيابية الاخيرة (بمن حضر)، ان المسلمين يمكنهم انتخاب رئيس جمهورية. مقاربة “التيار” لقرار الدستوري تتعدى مسألة الانتخابات الى موضوع أخطر، بحسبهم، وهو ضرب صلاحيات رئيس الجمهورية والميثاقية بما يثبت ان الاستمرار في ظل هذا النظام بات مستحيلاً. لكن النقطة الاهم هنا اعتباره ان الثنائي الشيعي لا سيما “حزب الله” بات متهماً بضرب شريكه المسيحي والتعاطي على اساس “من بعدي الطوفان”، وان المهم بالنسبة له تثبيت قوتهم وان وحدتهم كشيعة فوق كل اعتبار. أما في العلاقة مع بري فتلك المعضلة الاكبر.
كان يمكن لقرار الدستوري ألا يكون مهماً لهذه الدرجة، لكن كان الجميع بحاجة الى نقطة انطلاق لاتفاق شامل فصار بالشكل الذي خرج به سبباً لكل الازمات التي ستلي، مهدداً مصير الحكومة ومجلس النواب والانتخابات النيابية، والأهم انه انهى المجلس الدستوري وذلك باعتراف رئيسه.