في اقوى هجوم على ميقاتي الأخبار: ميقاتي «يُسعود» لبنان
بعد استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، بناءً على أوامر سعودية، وبسبب كلمة، قرّر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الامتثال لأمر سعودي جديد، أبلغه إليه هذه المرة النظام البحريني الفاشل، يقضي بطرد معارضين بحرينيين تجرّأوا على الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في بلادهم. وكما يسعى النظام في الرياض إلى «سَعوَدة» الوظائف (أي إحلال سعوديين مكان الأجانب)، يبدو أن ميقاتي قرّر «سعوَدة» القرار اللبناني، من خلال الاكتفاء بتنفيذ فرمانات آل سعود، من دون أيّ اعتبار للسيادة الوطنية أو للمؤسّسات الدستورية
في نظر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير داخليّته القاضي بسام المولوي، لبنان ليس سوى مزرعة يحكمها نظام دولة تخضع للاحتلال اسمها البحرين. من دون أي مبالغة، يمكن القول إن رئيس حكومة لبنان ووزير داخليّته هما الأكثر اقتناعاً بأن الدولة اللبنانية غير موجودة. ويمكنهما، بناءً على ذلك، اتّخاذ أي قرار، بأمر من دولة خارجية، ولو كانت خاضعة للاحتلال، كما هي حال البحرين المحتلّة عسكرياً من النظام السعودي، منذ عام 2011.
يوم السبت الفائت، عُقِد في بيروت مؤتمر صحافي دعت إليه جمعية الوفاق البحرينية، لإطلاق تقرير عن انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين. مداخلات المشاركين تنوّعت بين الكلام الحقوقي، والدعوة إلى إصدار عفو عام في البحرين يفتح باباً للمصالحة. لم يَدعُ أحد إلى إسقاط النظام، ولم يتوجّه أحد بنقد «قاسٍ» لشخصيات النظام البحريني. كان الجانب الحقوقي طاغياً على ما عداه. لكن النظام السعودي قرّر استنفار تابعه البحريني، للضغط على لبنان. احتجّ النظام البحريني على المؤتمر الصحافي، فسارع ميقاتي والمولوي إلى فتح تحقيق، كما لو أن جريمة ارتُكِبت. في بلد يتغنّى في كتب تاريخه المزوّرة بأنه بلد للحريات وملجأ للمضطهدين، وفي البلد الذي ينص دستوره على تقديس حرية الرأي والتعبير، ويزعم سياسيّوه ووسائل إعلامه أنه بلد الحريات، يجري التعامل مع مؤتمر صحافي ينشر تقريراً حقوقياً كما لو أنه جناية توجب العقاب. وبعد «التحقيق»، أصدر ميقاتي أمس، بواسطة المولوي، فرماناً موجّهاً إلى المديرية العامة للأمن العام، يطلب فيه «اتخاذ كل الإجراءات والتدابير الآيلة إلى ترحيل أعضاء جمعية الوفاق البحرينية من غير اللبنانيين إلى خارج لبنان». وعزا ميقاتي قراره إلى «ما سببه انعقاد المؤتمر الصحافي الذي عقدته الجمعية المذكورة في بيروت بتاريخ 11/12/2021 من إساءة إلى علاقة لبنان بمملكة البحرين الشقيقة، ومن ضرر بمصالح الدولة اللبنانية». لم يجد ميقاتي نفسه معنيّاً بأن يخاطب اللبنانيين أولاً ليخبرهم عن الضرر الذي ألحقه مؤتمر صحافي حقوقي بمصالح الدولة اللبنانية، أو ليدلّهم على الإساءة التي وجّهها إلى مملكة البحرين.
في هذا القرار الخطير الذي صدر أمس، تنازل جديد يتبرّع به ميقاتي للسعودية، بعدما رضخت بيروت لقرار الرياض إقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، عقاباً له على تصريح أدلى به قبل تعيينه وزيراً. ومن هانَ في قضية قرداحي، سهل الهوان عليه في قضية الوفاق البحرينية.
في الشكل وفي المضمون، لم يحترم ميقاتي الدولة اللبنانية التي يدّعي الحرص على مصالحها. الأصول المتّبعة في حالات مشابهة، أن تُرسل الدولة الشاكية رسالة إلى الدولة المشكو من عمل ما على أراضيها، توضح فيه الأولى أسباب الشكوى والتفاصيل وكيفية تأثرها بهذا العمل. وفي حال كانت الدولة الثانية تحترم نفسها وسيادتها، فإنها تدرس الرسالة الواردة إليها، في مؤسساتها الدستورية، وتتصرف وفقاً للنتيجة. في لبنان، لم يرَ ميقاتي أيّ حاجة إلى أيّ رسالة بحرينية مفصّلة، ولا إلى مؤسسات دستورية لبنانية تتخذ قراراً بخطورة إبعاد أشقاء عرب. اكتفى رئيس الحكومة باتصال هاتفي من وزير الداخلية القطري بنظيره اللبناني. بدا ميقاتي كمن ينتظر اعترافاً خليجياً به، ولو كان على شاكلة أمرٍ صادر من نظام تابع للنظام السعودي. والاحتفاء بهذا «الاعتراف» يتمّ بالامتثال للأوامر الصادرة من المنامة.
صحيح أن المديرية العامة للأمن العام «لم تعثر على أعضاء حركة الوفاق لإبعادهم»، ومن المتوقع ألّا تتمكّن من العثور عليهم، إلا أن ذلك لا يمحو فداحة ما يمثّله قرار ميقاتي ــــ المولوي. فبعد القرداحي، تأتي قضية الوفاق البحرينية التي لا تقلّ خطورة عن سابقتها. باتت السعودية قادرة على طرد أيّ وزير من الحكومة من اللبنانية لأن «شكله لا يعجبها»، كما على طرد أي شخص من لبنان لأنه شكا ممارسة فيها انتهاك لحقوق الإنسان في أي دولة عربية. ميقاتي نفسه كان يرأس الحكومة عامَي 2011 و2012، عندما تحوّل لبنان إلى ساحة ارتكاز لشتى أنواع المنظمات الإرهابية التي كانت تستهدف أمن سوريا، وسيطرت على الجزء الأكبر من الحدود الشمالية والشرقية، قبل أن تتمدّد في عام 2014 وصولاً إلى بلدة عرسال وتخطف جنوداً من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وتقتل عدداً منهم بدم بارد على طريقة الإعدام. ميقاتي نفسه يريد اليوم «تنظيف» لبنان من أيّ شخص يزعج حكام دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، بما يفتح الباب أمام منع وسائل الإعلام اللبنانية من التعبير ضدّ تلك الأنظمة، وهي في ذروة توحّشها ضد الشعب اليمني، وبعدما بدأت مسيرة التطبيع والتحالف العلنيَّين مع العدو الإسرائيلي، وفيما يهين إعلامها الرسمي المسؤولين الرسميين اللبنانيين.
في الشكل وفي المضمون، لم يحترم ميقاتي الدولة اللبنانية التي يدّعي الحرص على مصالحها. الأصول المتّبعة في حالات مشابهة، أن تُرسل الدولة الشاكية رسالة إلى الدولة المشكو من عمل ما على أراضيها، توضح فيه الأولى أسباب الشكوى والتفاصيل وكيفية تأثرها بهذا العمل. وفي حال كانت الدولة الثانية تحترم نفسها وسيادتها، فإنها تدرس الرسالة الواردة إليها، في مؤسساتها الدستورية، وتتصرف وفقاً للنتيجة. في لبنان، لم يرَ ميقاتي أيّ حاجة إلى أيّ رسالة بحرينية مفصّلة، ولا إلى مؤسسات دستورية لبنانية تتخذ قراراً بخطورة إبعاد أشقاء عرب. اكتفى رئيس الحكومة باتصال هاتفي من وزير الداخلية القطري بنظيره اللبناني. بدا ميقاتي كمن ينتظر اعترافاً خليجياً به، ولو كان على شاكلة أمرٍ صادر من نظام تابع للنظام السعودي. والاحتفاء بهذا «الاعتراف» يتمّ بالامتثال للأوامر الصادرة من المنامة.
صحيح أن المديرية العامة للأمن العام «لم تعثر على أعضاء حركة الوفاق لإبعادهم»، ومن المتوقع ألّا تتمكّن من العثور عليهم، إلا أن ذلك لا يمحو فداحة ما يمثّله قرار ميقاتي ــــ المولوي. فبعد القرداحي، تأتي قضية الوفاق البحرينية التي لا تقلّ خطورة عن سابقتها. باتت السعودية قادرة على طرد أيّ وزير من الحكومة من اللبنانية لأن «شكله لا يعجبها»، كما على طرد أي شخص من لبنان لأنه شكا ممارسة فيها انتهاك لحقوق الإنسان في أي دولة عربية. ميقاتي نفسه كان يرأس الحكومة عامَي 2011 و2012، عندما تحوّل لبنان إلى ساحة ارتكاز لشتى أنواع المنظمات الإرهابية التي كانت تستهدف أمن سوريا، وسيطرت على الجزء الأكبر من الحدود الشمالية والشرقية، قبل أن تتمدّد في عام 2014 وصولاً إلى بلدة عرسال وتخطف جنوداً من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وتقتل عدداً منهم بدم بارد على طريقة الإعدام. ميقاتي نفسه يريد اليوم «تنظيف» لبنان من أيّ شخص يزعج حكام دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، بما يفتح الباب أمام منع وسائل الإعلام اللبنانية من التعبير ضدّ تلك الأنظمة، وهي في ذروة توحّشها ضد الشعب اليمني، وبعدما بدأت مسيرة التطبيع والتحالف العلنيَّين مع العدو الإسرائيلي، وفيما يهين إعلامها الرسمي المسؤولين الرسميين اللبنانيين.
القرار الميقاتي يشكّل خطورة على حرية عمل المنظمات الحقوقية. لكن، بطبيعة الحال، لن تطال فرمانات المولوي المنظمات المموّلة غربياً، والتي تستهدف المقاومة أو سوريا أو إيران، بل ستركّز على تلك التي تعارض أنظمة الخليج التي ستطالب لبنان يوماً بعد آخر بالمزيد من التنازلات، إلى أن يتحوّل إلى دولة تابعة لإمارة محمد بن سلمان. وقبل ذلك الحدّ، لن ترضى عن ميقاتي، ولا عن سواه من المسؤولين اللبنانيين. والدليل على ذلك ما جرى لسعد الحريري. فبعدما تنازل الأخير عن حقّه الشخصي عقب اعتقاله وإهانته في السعودية، ردّ عليه ابن سلمان بالصدّ والعزل وبيع أملاكه بالمزاد العلني ورفض استقباله ولو كمواطن سعودي بلا امتيازات.
وفي ما يتعلّق بالمعارضين الخليجيّين والعرب، لن يرضى ابن سلمان اليوم بأقلّ مما ناله أسلافه في عام 1979 عندما خُطِف المعارض السعودي ناصر السعيد من بيروت، ونُقِل إلى مملكة آل سعود، ويُرجّح أنه قُتِل برميه من طائرة في الصحراء. وبعد الامتثال لأوامر وليّ العهد السعودي، ستُفتح شهيّة معظم الدول العربية من أجل إبعاد أيّ معارض، ولو كانت كل معارضته محصورة في كتابة «تغريدة» ينتقد فيها قراراً ما في وطنه.
ما جرى أمس لا بدّ من أن ينعكس سلباً على الأجواء الملبّدة حكومياً. بعض مكوّنات مجلس الوزراء وجدت في خطوة ميقاتي إنقاذاً لها من حرج التعامل مع كرة النار (وزارة الخارجية، مثلاً، غائبة تماماً)، إلا أن ذلك لا يعني أن جميع القوى السياسية ستكون مرحّبة بخطوة ميقاتي الذي اختصر مجلس الوزراء بشخصه، وأصدر تعليماته إلى وزير داخليته بطرد المعارضين البحرينيين الذين لا يخفى على أحد أن بعضهم موجود في لبنان برعاية حزب الله. وفيما لم يُعلن الأخير أي موقف مما جرى، من غير المستبعد أن ينظر إلى خطوة ميقاتي كحلقة في سلسلة بدأت من خلدة عام 2020، ولم تقف في الطيونة، بعدما مرّت بإصرار معظم القوى السياسية والدول الغربية والخليجية على دعم سلوك المحقق العدلي في انفجار المرفأ، القاضي طارق البيطار.
وفي ما يتعلّق بالمعارضين الخليجيّين والعرب، لن يرضى ابن سلمان اليوم بأقلّ مما ناله أسلافه في عام 1979 عندما خُطِف المعارض السعودي ناصر السعيد من بيروت، ونُقِل إلى مملكة آل سعود، ويُرجّح أنه قُتِل برميه من طائرة في الصحراء. وبعد الامتثال لأوامر وليّ العهد السعودي، ستُفتح شهيّة معظم الدول العربية من أجل إبعاد أيّ معارض، ولو كانت كل معارضته محصورة في كتابة «تغريدة» ينتقد فيها قراراً ما في وطنه.
ما جرى أمس لا بدّ من أن ينعكس سلباً على الأجواء الملبّدة حكومياً. بعض مكوّنات مجلس الوزراء وجدت في خطوة ميقاتي إنقاذاً لها من حرج التعامل مع كرة النار (وزارة الخارجية، مثلاً، غائبة تماماً)، إلا أن ذلك لا يعني أن جميع القوى السياسية ستكون مرحّبة بخطوة ميقاتي الذي اختصر مجلس الوزراء بشخصه، وأصدر تعليماته إلى وزير داخليته بطرد المعارضين البحرينيين الذين لا يخفى على أحد أن بعضهم موجود في لبنان برعاية حزب الله. وفيما لم يُعلن الأخير أي موقف مما جرى، من غير المستبعد أن ينظر إلى خطوة ميقاتي كحلقة في سلسلة بدأت من خلدة عام 2020، ولم تقف في الطيونة، بعدما مرّت بإصرار معظم القوى السياسية والدول الغربية والخليجية على دعم سلوك المحقق العدلي في انفجار المرفأ، القاضي طارق البيطار.